أعلنت الهيئة العامة للإحصاء السعودية، في تقرير لها، نتائج الرقم القياسي لأسعار العقارات في المملكة، للربع الثالث من عام 2025م.
وكشفت البيانات الحديثة للهيئة عن استمرار تباطؤ وتيرة نمو أسعار العقارات على أساس سنوي، مدفوعة بشكل رئيس بالانخفاض الملحوظ في أسعار القطاع السكني، بينما شهد القطاع التجاري والاستثماري تباين أدائه.
ويعد هذا التقرير مؤشرًا حيويًا يعكس الحالة الراهنة لسوق العقار السعودي، ويكشف عن تحولات مهمة في ديناميكيات العرض والطلب في مختلف قطاعات السوق العقارية.
تباطؤ النمو الإجمالي.. الرقم القياسي يسجل 1.3%
أظهرت الأرقام الإحصائية أن الرقم القياسي العام لأسعار العقارات سجل ارتفاعًا طفيفًا بلغت نسبته 1.3% خلال الربع الثالث من عام 2025م، مقارنةً بالفترة المماثلة من العام السابق (الربع الثالث 2024م).
هذا الارتفاع المحدود، وإن كان إيجابيًا، يشير إلى استمرار تباطؤ النمو الإجمالي في أسعار العقارات، مقارنةً بالارتفاعات القوية التي شهدتها السوق في فترات سابقة.
وقد جاء هذا الارتفاع مدفوعًا بشكل شبه كامل بأداء قطاع واحد، وهو القطاع التجاري. والذي كان له التأثير الأكبر في الرقم القياسي العام، بينما ظل القطاع السكني يعاني من ضغوط هبوطية.
يشير محللون إلى أن معدل النمو البالغ 1.3% يمثل توازنًا دقيقًا بين عاملين متضادين:
- الضغط التنازلي على أسعار الأراضي السكنية بسبب زيادة المعروض.
- القوة الشرائية المستمرة في بعض الأصول التجارية والاستثمارية المحدودة.
مكونات القطاع السكني.. تراجع الأسعار بنسبة 1.1%
يظل القطاع السكني هو المؤشر الأهم للأسعار في السوق العقارية، نظرًا لوزنه النسبي الكبير في الرقم القياسي، وأهميته المباشرة للمواطنين والمطورين.
أفادت الهيئة العامة للإحصاء، بأن الأسعار في القطاع السكني شهدت انخفاضًا بنسبة 1.1% في الربع الثالث من عام 2025م، على أساس سنوي.
هذا التراجع يمثل امتدادًا لاتجاه الهبوط الذي بدأ يظهر في الفترات الأخيرة، ويعكس النتائج المباشرة لسياسات الإسكان الناجحة في زيادة المعروض.
تأثير الأراضي السكنية
إن الانخفاض في القطاع السكني يعود أساسًا إلى تراجع أسعار “الأراضي والقطع الخام السكنية” التي تشكل الوزن الأكبر في الرقم القياسي السكني. وقد سجلت هذه الأراضي انخفاضًا بنسبة 1.3% مقارنة بالربع المماثل من العام الماضي.
تفسير انخفاض القطاع السكني:
المشاريع الضخمة والجهود المستمرة من وزارة الإسكان وشركات التطوير العقاري أدت إلى ضخ عدد كبير من الوحدات السكنية الجاهزة، ما قلل من الطلب على الأراضي الخام لأغراض التطوير الفردي أو المضاربة.
بينما يفضل التمويل العقاري حاليًا تمويل الوحدات الجاهزة أو تحت الإنشاء ضمن مشاريع مرخصة، مما يضعف الطلب على قروض شراء الأراضي.
تباين أداء الأصول السكنية الأخرى:
رغم التراجع الإجمالي، سجلت بعض الأصول السكنية الأخرى تباينًا في الأداء، حيث شهدت أسعار الشقق السكنية ارتفاعًا طفيفًا. وزادت بنسبة 0.8%.
ويعكس هذا الارتفاع استمرار الطلب القوي على الوحدات ذات الكثافة العالية والمناسبة للأسر الصغيرة أو الاستثمار التأجيري، خصوصًا في المدن الرئيسة.
كذلك شهدت أسعار الفلل تراجعًا بنسبة 0.5%، ما يدل على استمرار الضغط السعري عليها نتيجة لارتفاع تكلفة البناء وزيادة المعروض البديل من الوحدات السكنية الحديثة. في حين سجلت العمائر السكنية انخفاضًا بنسبة 0.2%.
الجدير بالذكر أن الانخفاض في أسعار الأراضي السكنية البالغ 1.3% طغى على أي ارتفاعات أخرى. ليقود القطاع بأكمله إلى التراجع بنسبة 1.1%.

أداء القطاع التجاري.. الارتفاع يقود الرقم القياسي العام
يعد القطاع التجاري هو المحرك الرئيس للنمو في الرقم القياسي العام، وسجل ارتفاعًا قويًا وملحوظًا. بينما سجلت أسعار القطاع التجاري ارتفاعًا بنسبة 9.0%. في الربع الثالث 2025م. وهو ما يمثل أكبر ارتفاع بين جميع القطاعات، ويشير إلى وجود طلب استثماري قوي على الأصول التجارية.
جاء هذا الارتفاع مدفوعًا بشكل أساس بارتفاع أسعار الأراضي والقطع التجارية الخام بنسبة 9.9%. هذا الطلب على الأراضي التجارية يعكس ثقة المستثمرين في التوسع الاقتصادي في المملكة وزيادة النشاط التجاري واللوجستي. ما دفع أسعار الأراضي المخصصة للمشاريع التجارية الكبرى إلى الصعود.
كما سجلت أسعار المعارض التجارية ارتفاعًا بنسبة 8.8%، وهو مؤشر على ازدهار قطاع التجزئة. والمراكز التجارية التي تستفيد من زيادة الكثافة السكانية والإنفاق الاستهلاكي.
ويرجح أن يعكس هذا النمو القوي في القطاع التجاري تدفقات استثمارية كبيرة مرتبطة بمشاريع رؤية 2030. والتحول نحو اقتصاد متنوع يتطلب مساحات تجارية ومكتبية ولوجستية حديثة.
القطاع الزراعي.. استقرار نسبي مع ارتفاع أسعار الأراضي
أظهر القطاع الزراعي أداءً مستقرًا نسبيًا. وسجل الرقم القياسي ارتفاعًا بنسبة 1.1% مقارنة بالربع الثالث 2024م.
هذا الارتفاع المحدود يعود بشكل أساس لزيادة أسعار الأراضي الزراعية التي سجلت صعودًا بنسبة 1.1%. بينما ظلت أسعار باقي الأصول الزراعية ثابتة نسبيًا.
ويشير هذا الارتفاع في أسعار الأراضي الزراعية إلى استمرار الطلب على الاستثمارات المتعلقة بالأمن الغذائي والمشاريع الزراعية المتطورة. أو تحويل استخدام بعض الأراضي الزراعية الواقعة قرب النطاق العمراني إلى استخدامات سكنية أو تجارية مستقبلية.
اتساع مؤشر الانخفاض
على الرغم من الارتفاع السنوي الطفيف في الرقم القياسي العام (1.3%)، فإن تحليل الأداء على أساس فصلي. (مقارنة بالربع الثاني 2025م) يكشف عن اتجاه أكثر حدة للانكماش في معظم القطاعات.
سجل الرقم القياسي العام على أساس فصلي انخفاضًا نسبته 0.8% في الربع الثالث 2025م. مقارنة بالربع الثاني من نفس العام. هذا الانخفاض الفصلي يمثل إشارة قوية لاستمرار الضغوط الهبوطية في السوق خلال الأشهر الأخيرة.
التغير الفصلي (الربع الثالث 2025 مقارنة بالربع الثاني 2025)
القطاع السكني سجل انخفاضًا فصليًا بنسبة 1.1%، ما يؤكد تسارع وتيرة تراجع الأسعار السكنية.
في حين انخفض بنسبة 0.4%، ما يدل على أن زخم النمو القوي الذي شهده القطاع التجاري سنويًا قد بدأ يتباطأ في الربع الأخير. بينما سجل القطاع الزراعي انخفاضًا فصليًا بنسبة 0.8%.
هذه الأرقام الفصلية ترجح أن التباطؤ في السوق العقارية يتجه نحو التعمق، خصوصًا في القطاع السكني. مدفوعًا بزيادة المعروض وتأثير ارتفاع أسعار الفائدة في تكلفة التمويل العقاري.
الجودة والمنهجية.. ضمان دقة البيانات
أكدت الهيئة العامة للإحصاء في بيانها أن الرقم القياسي لأسعار العقارات يعد مؤشرًا إحصائيًا دقيقًا يتم إعداده بناءً على البيانات المسجلة رسميًا لدى وزارة العدل حول الصفقات العقارية. ويأتي هذا لضمان الشمولية والموثوقية.
بينما يعتمد الرقم القياسي على منهجية علمية تشمل ترجيح أسعار العقارات وفقًا لفئاتها (سكني، تجاري، زراعي) وأنواع الأصول داخل كل فئة (أراض، شقق. فلل، عمائر، معارض)، ما يعكس الأهمية الاقتصادية النسبية لكل نوع.
هذا المنهج يضمن أن التغيرات. في الأسعار تعكس فعلًا تحولات في القيمة السوقية وليس فقط التغير في عدد الصفقات أو تركيبتها.
بينما تظهر بيانات الربع الثالث 2025م، الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء أن سوق العقار السعودي. يسير في مسارين متباينين:
- تباطؤ مستمر في أسعار القطاع السكني نتيجة لزيادة المعروض والجهود الإسكانية.
- نمو قوي ومركز في القطاع التجاري مدفوعًا بالطلب الاستثماري والثقة في النمو الاقتصادي ضمن رؤية 2030.
كما تشير الأرقام الفصلية إلى أن الفترة القادمة قد تشهد استمرارًا لضغط الأسعار الهبوطي. ما يتطلب متابعة دقيقة من المستثمرين والمطورين والمواطنين على حد سواء.