الخميس, أكتوبر 16, 2025
الرئيسية » “الفاتيكان” دولة صغيرة بنفوذ عالمي.. لماذا يُناشدها المشاهير في الأزمات الإنسانية؟

“الفاتيكان” دولة صغيرة بنفوذ عالمي.. لماذا يُناشدها المشاهير في الأزمات الإنسانية؟

"الفاتيكان" دولة صغيرة بنفوذ عالمي.. لماذا يُناشدها المشاهير في الأزمات الإنسانية؟

وجهت “ملكة البوب” مادونا نداءً مؤثرًا إلى بابا الفاتيكان، البابا ليو الرابع عشر، حثته فيه على زيارة قطاع غزة. رسالة مادونا، التي انتشرت بشكل واسع، لم تكن مجرد مناشدة عابرة، بل كانت إشارة واضحة إلى المكانة الفريدة التي يتمتع بها.

قالت مادونا: “أنت الوحيد بيننا الذي لا يمكن منعه من الدخول”، مؤكدة على أن البابا يمتلك نفوذًا روحيًا ودبلوماسيًا يتجاوز الحواجز السياسية والأمنية، ويمكنه أن يفتح أبواب المساعدات الإنسانية التي يحتاجها الأطفال في غزة بشكل عاجل. هذه الدعوة تضع الفاتيكان وباباواتها في قلب القضايا الإنسانية المعاصرة، وتعيد تسليط الضوء على هذه الدولة الصغيرة ذات التأثير العالمي.

الفاتيكان

مفارقة “الفاتيكان” دولة صغيرة.. قوة عظمى

من قلب ساحة القديس بطرس، حيث تتلاقى أقدام آلاف الحجاج والسياح، تتجسد المفارقة التاريخية في أبهى صورها. تحت أشعة شمس يوم مشمس، وبينما تدق أجراس الكنيسة العملاقة، يدرك الزائر أنه لا يقف في قلب مدينة روما فحسب، بل في أصغر دولة ذات سيادة في العالم. الفاتيكان، ذلك الكيان الذي لا تتجاوز مساحته 0.44 كيلومتر مربع، يمثل القوة الروحية لأكثر من 1.4 مليار كاثوليكي، وتأثيره السياسي يتجاوز حدود حجمه الجغرافي بكثير.

 

إنها رحلة عبر الزمن، حيث يتحول المشهد من ساحة دموية للاضطهاد إلى مركز للقدسية العالمية. فقد كانت هذه البقعة، التي يقف فيها الملايين الآن، مسرحًا لصلب القديس بطرس، أحد تلاميذ المسيح وأول أساقفة روما، سنة 64 ميلادية. كانت تلك الحقبة تحت حكم الإمبراطور نيرون، الذي عُرف باضطهاده للمسيحيين الأوائل. واليوم، تشهد المسلة المصرية القديمة، التي تقف شامخة في وسط الساحة، مشهدًا مختلفًا تمامًا: حشود تؤدي الصلوات وتستذكر قصة الإيمان، في تحول مدهش يروي قصة صمود المسيحية.

 

من موقع دامي إلى مركز الإيمان

هذا التحول لم يأتِ من فراغ. فبعد صلب القديس بطرس، دُفن في مدفن بسيط بجوار سيرك نيرون، وهو المكان الذي بُنيت عليه اليوم كاتدرائية القديس بطرس. وعلى الرغم من حظر المسيحية واضطهاد أتباعها، استمر المؤمنون في زيارة قبره سرًا. كان هذا هو الأساس لأقدم رحلات الحج المسيحية، التي استمرت لقرون طويلة رغم كل التحديات.

 

في القرن الرابع الميلادي، شهد التاريخ نقطة تحول حاسمة عندما اعتنق الإمبراطور الروماني قسطنطين المسيحية. لم تكتفِ الإمبراطورية بالاعتراف بالديانة الجديدة، بل قام قسطنطين ببناء أول كنيسة ضخمة فوق قبر القديس بطرس، لتكون تخليدًا لذكراه. بقيت هذه الكنيسة صامدة لقرون طويلة، قبل أن تتعرض للإهمال بعد انتقال الباباوات إلى مدينة أفينيون الفرنسية في القرن الرابع عشر.

الإمبراطور الروماني قسطنطين

في عام 1506، قرر البابا يوليوس الثاني هدم الكنيسة القديمة وبناء كاتدرائية جديدة أكثر عظمة. هذا المشروع الضخم استغرق أكثر من قرن من الزمان، وعمل فيه نخبة من أعظم فناني ومهندسي عصر النهضة. أمثال برامانتي، ومايكل أنجلو، ورافاييلو. تم افتتاح الكاتدرائية رسميًا في عام 1626، وهي اليوم ثاني أكبر كنيسة في العالم. وتتخذ مكانة مرموقة كأهم وأشهر كنيسة في المسيحية الكاثوليكية، بينما تستقبل سنويًا ملايين الزوار.

كاتدرائية القديس بطرس

كنوز فنية وروحانية داخل كاتدرائية القديس بطرس وكنيسة سيستين

تعد كاتدرائية القديس بطرس تحفة فنية لا مثيل لها. بمجرد تجاوز البوابات، تستقبلك قبتها المهيبة التي صممها مايكل أنجلو، والتي يبلغ ارتفاعها حوالي 136 مترًا. تنير أشعة الشمس المارة عبر نوافذ القبة أرجاء الكنيسة، وكأنها تضفي عليها قدسية إضافية. على يمين المدخل، تقف تحفة أخرى لمايكل أنجلو، تمثال “بييتا” الشهير، الذي يصور السيدة مريم وهي تحمل جسد المسيح بعد صلبه. وعلى المذبح الرئيسي، تبرز مظلة برونزية ضخمة من تصميم الفنان برنيني، تقف على أعمدة حلزونية، وتحتها مباشرة يقع قبر القديس بطرس.

كنيسة سيستين

خلف الكاتدرائية، تقع كنيسة سيستين، التي تعد ذروة الإبداع الفني في عصر النهضة. على سقفها، رسم مايكل أنجلو إحدى أشهر اللوحات في تاريخ الفن، وهي لوحة “خلق آدم”، التي تُظهر الإله وهو يمد يده لآدم. كما تزين السقف مشاهد من سفر التكوين، ولوحة “يوم القيامة” التي رسمها بعد عشرين عامًا، وتثير جدلاً فنيًا ودينيًا لما تحتويه من شخصيات عارية. تم تغطية بعضها لاحقًا ثم أعيدت كما رسمها مايكل أنجلو في الأصل، وهو ما يعكس الصراعات الفكرية والفنية في تلك الحقبة.

 

انتخاب “البابا” طقس سري تحت لوحة “يوم القيامة”

تتحول كنيسة سيستين كل عدة سنوات إلى قاعة انتخاب للبابا الجديد، في عملية تعرف باسم “الكونكلاف”. في هذا الطقس السري، يجتمع الكرادلة الذين تقل أعمارهم عن 80 عامًا خلف أبواب مغلقة. منعزلين تمامًا عن العالم الخارجي، دون أي اتصال أو وسائل تواصل. بينما يستمر التصويت حتى يختاروا مرشحًا يحصل على ثلثي الأصوات على الأقل. بعد كل جولة تصويت فاشلة، تحرق أوراق الاقتراع بمواد كيميائية لتُصدر دخانًا أسود من مدخنة الكنيسة، وهو ما يخبر العالم الخارجي بأن البابا الجديد لم يتم انتخابه بعد. عندما يتم الاتفاق على البابا، تحرق الأوراق بمواد تصدر دخانًا أبيض. وهو ما يعلن عن انتخاب الحبر الأعظم الجديد، وتتعالى صيحات الفرح في ساحة القديس بطرس.

متاحف الفاتيكان

متاحف الفاتيكان والاقتصاد

إلى جانب مكانتها الروحانية، تتمتع الفاتيكان بقوة اقتصادية تعتمد بشكل كبير على كنوزها الفنية. فمتاحف الفاتيكان، التي تعد واحدة من أكبر متاحف العالم، بينما تستقطب ملايين الزوار سنويًا. يعود الفضل في تأسيسها إلى البابا يوليوس الثاني الذي قرر في عام 1506 عرض مجموعة من التماثيل الرومانية. منذ ذلك الحين، أصبحت المتاحف مصدر دخل رئيسي للدولة، بإيرادات تفوق 100 مليون دولار سنويًا.

 

كما تعتمد الفاتيكان على مصادر دخل أخرى مثل مبيعات الطوابع البريدية والعملات التذكارية. علاوة على التبرعات العالمية التي تصلها من المؤمنين الكاثوليك. هذه الأموال تدعم الأنشطة الروحية والدبلوماسية للكرسي الرسولي.

 

وعلى الصعيد السياسي، تظهر قوة الفاتيكان الناعمة. فبالرغم من صغر مساحتها، فإن الكرسي الرسولي. يمتلك علاقات دبلوماسية كاملة مع 183 دولة حول العالم، بما فيها معظم الدول العربية. وهذا النفوذ الدبلوماسي يُمكّن البابا من التدخل في نزاعات دولية، والدفاع عن قضايا عالمية مثل السلام والبيئة، مما يعكس دوره كقائد روحي. يتمتع بنفوذ سياسي كبير، وهو ما دفع مادونا لمناشدته بالتدخل في أزمة غزة الإنسانية.

حدائق الفاتيكان

حدائق الفاتيكان واحة للتأمل

نصف مساحة الفاتيكان تقريبًا مخصص لحدائقها الواسعة التي تعد ملاذًا للهدوء والتأمل. هذه الحدائق ليست مجرد مساحات خضراء، بل هي معرض فني مفتوح يضم تماثيل وأيقونات وهدايا من مختلف الدول. هنا، يمكن للبابا أن يأخذ جولة للتأمل والصلاة بعيدًا عن صخب العالم، مما يؤكد على أن الفاتيكان هو في نهاية المطاف. مكان يجمع بين الحياة الروحية والدنيوية في آن واحد.

 

وهنا ندرك أن اللغز الحقيقي وراء هذه الدولة الصغيرة ليس في مساحتها الضئيلة، بل في قدرتها المدهشة على الحفاظ على تأثيرها الروحي والثقافي والدبلوماسي على مدار قرون. فالفاتيكان ليست مجرد دولة، بل هي متحف حي للتاريخ والإيمان والفن، ومركز روحي يوجه بوصلة الملايين نحو السلام والإنسانية. من ساحة دموية للاضطهاد إلى مركز للحضارة العالمية. تظل الفاتيكان محط أنظار العالم، دليلًا على أن القوة الحقيقية لا تقاس بالحجم، بل بالتأثير.

NightlyNews24 موقع إخباري عربي يقدم أخبار السياسة، الاقتصاد، والرياضة بتغطية يومية دقيقة وتحليلات موجزة لمتابعة الأحداث الراهنة بأسلوب مهني وموضوعي.

النشرة البريدية

اشترك الآن في نشرتنا البريدية وكن أول من يتابع آخر الأخبار والتحديثات الحصرية مباشرة إلى بريدك الإلكتروني!

آخر الأخبار

@2021 – جميع الحقوق محفوظة NightlyNews24