إعداد: يارا زيدان – رنا خالد
يُعد اليورانيوم، ذلك العنصر الكيميائي الفريد، حجر الزاوية في العديد من التطورات التكنولوجية والعلمية التي شكلت ملامح القرن العشرين وما بعده. بصفته معدناً فضياً-رمادياً ينتمي إلى سلسلة الأكتينيدات، لا يقتصر دوره على كونه وقوداً أساسياً للمفاعلات النووية، بل يمتد ليشمل تصنيع الأسلحة النووية، مما يمنحه أهمية استراتيجية بالغة في مزيج الطاقة العالمي وفي التطبيقات العسكرية والبحرية، بالإضافة إلى استخدامات طبية وصناعية متنوعة. إن مكانته كأثقل العناصر الموجودة بكميات كبيرة في الطبيعة تبرز قدرته الكامنة على إطلاق طاقة هائلة من خلال الانشطار النووي.
إن فهم اليورانيوم يتجاوز مجرد كونه عنصراً كيميائياً؛ فهو يمثل نقطة تقاطع معقدة بين العلم والطاقة والسياسة والاقتصاد. هذه التقاطعات تمنحه أبعاداً جيوسياسية واقتصادية عميقة. إن خصائصه الفيزيائية والكيميائية الفريدة هي التي تكمن وراء قدرته على إطلاق طاقة هائلة من خلال الانشطار النووي. وهذا الاستخدام في توليد الطاقة يضعه في صميم النقاشات العالمية حول أمن الطاقة، والتحول نحو مصادر طاقة منخفضة الكربون في مواجهة تغير المناخ،علاوة على قضايا الانتشار النووي. وهذا يوضح دوره كعنصر ذي أبعاد تتجاوز كونه مادة خام، مما يؤثر على العلاقات الدولية والسياسات الدفاعية والاقتصاد العالمي. لذا، فإن استيعابه يتطلب نظرة شاملة تتعدى الجوانب الكيميائية والفيزيائية لتشمل الديناميكيات العالمية المعقدة التي تحيط به.
خصائص اليورانيوم
الرمز الكيميائي له (U)، وهو عنصر معدني مشع، يحمل العدد الذري 92، مما يعني أن كل ذرة منه تحتوي على 92 بروتوناً و92 إلكتروناً. يتميز بلونه الفضي المائل للبياض. يصنف ضمن المعادن الكثيفة جداً؛ فكثافته تبلغ حوالي 19.1 غ/سم³، مما يجعله أكثر كثافة من الرصاص (11.3 غ/سم³) وأقل قليلاً من التنجستن والذهب (19.3 غ/سم³). وتبلغ درجة انصهاره 1135 درجة مئوية، بينما تصل درجة غليانه إلى 4130 درجة مئوية. وهو من المعادن اللينة والقابلة للثني، ويتأكسد بسرعة عند تعرضه للهواء أو الماء. يتفاعل اليورانيوم النقي مع معظم العناصر غير المعدنية باستثناء الغازات النبيلة.
كيف تشكل النظائر قوته وتحدياته
تكمن أهميته في تركيبه الذري الفريد. فذراته الكبيرة تمنحه القدرة على الانقسام (الانشطار النووي) بصورة أكبر مقارنة بالعناصر الأخرى. يتكون اليورانيوم الطبيعي من ثلاثة نظائر رئيسية: اليورانيوم-238 (U-238)، واليورانيوم-235 (U-235)، واليورانيوم-234 (U-234). اليورانيوم-238 هو النظير الأكثر شيوعاً، حيث يشكل حوالي 99.28% من اليورانيوم الطبيعي، ويحتوي على 146 نيوتروناً. أما اليورانيوم-235، فهو النظير الأساسي القابل للانشطار، ويشكل حوالي 0.72% فقط من اليورانيوم الطبيعي، ويحتوي على 143 نيوتروناً. هذا النظير هو الوحيد القادر على إدامة تفاعل السلسلة النووية عند قصفه بالنيوترونات، مما يجعله فعالاً لتوليد الطاقة ولصنع الأسلحة النووية. أما اليورانيوم-234، فيوجد بكميات ضئيلة جداً (0.0057%) ولا يستخدم في صنع القنابل. كما أنه مشع بطبيعته، ويتحلل باستمرار باعثاً جسيمات متحولاً إلى عناصر أخرى عبر سلسلة اضمحلال إشعاعي معروفة.
إن التباين في نسب النظائر، خاصةً بين اليورانيوم-235 واليورانيوم-238، هو أساس التطبيقات المتنوعة له، ولكنه أيضاً مصدر لتحديات كبيرة في الأمن والسلامة وإدارة النفايات. فنظير اليورانيوم-235 هو الوحيد القادر على إدامة تفاعل السلسلة النووية، لكنه يشكل نسبة ضئيلة جداً من اليورانيوم الطبيعي. هذا يتطلب عملية معقدة ومكلفة تُعرف بالتخصيب لزيادة تركيز اليورانيوم-235. عملية التخصيب ليست مجرد خطوة تقنية؛ إنها تحدٍ هندسي واقتصادي كبير ينتج عنه اليورانيوم المنضب بكميات هائلة. هذا يفتح الباب لمجموعة جديدة من الاستخدامات، مثل الدروع والذخائر، ولكنه أيضاً يثير قضايا بيئية وصحية تتعلق بتخزين هذه الكميات الكبيرة وإدارة مخاطرها الكيميائية والإشعاعية المنخفضة. هذا يوضح أن التلاعب بالنظائر يخلق دورة من الفرص التقنية والاقتصادية، ولكنه في الوقت نفسه يولد تحديات بيئية وأمنية تتطلب حلولاً مستدامة. فهم هذه الديناميكية ضروري لتقدير التعقيدات المحيطة بإدارة دورة الوقود النووي العالمية.
رحلة اكتشاف اليورانيوم من الكيمياء إلى النشاط الإشعاعي
بدأت رحلة اكتشافه كعنصر كيميائي على يد الكيميائي الألماني مارتن هاينريش كلابروث في عام 1789، الذي قام بتسمية العنصر الجديد تيمناً بكوكب أورانوس الذي اكتُشف حديثاً آنذاك. وفي وقت لاحق، نجح يوجين ميلشيور بيليجوت في عزل المعدن النقي لأول مرة.
بينما القفزة الكبرى في فهمه جاءت في عام 1896، عندما اكتشف هنري بيكريل الخصائص الإشعاعية له. فقد لاحظ بيكريل أن خامات البيتشبلند، التي تحتوي على اليورانيوم والراديوم، تسبب اسوداد لوحة فوتوغرافية. وعلى الرغم من أن بيكريل لم يدرك الأهمية الكاملة لاكتشافه في بادئ الأمر، إلا أن بيير وماري كوري هما من أطلقا اسم “النشاط الإشعاعي” على هذه الظاهرة الجديدة في عام 1896، وقاما لاحقاً بعزل عنصري البولونيوم والراديوم من البيتشبلند في عام 1898.
قفزة علمية غيرت مسار الحضارة الإنسانية
تطورت العلوم المتعلقة بالإشعاع الذري والتغير الذري والانشطار النووي بشكل كبير بين عامي 1895 و1945. شملت هذه التطورات أعمال علماء بارزين مثل إرنست رذرفورد، الذي أظهر أن النشاط الإشعاعي يؤدي إلى تكون عناصر مختلفة. ونيلز بور، الذي عمق فهمنا للذرة وكيفية ترتيب الإلكترونات حول نواتها. في عام 1938، أظهر أوتو هان وفريتز ستراسمان في برلين أنه يمكن أن ينشطر إلى عناصر أخف، وهو ما فسره ليز مايتنر وابن أخيها أوتو فريش على أنه انشطار ذري يطلق كميات هائلة من الطاقة (حوالي 200 مليون إلكترون فولت). مؤكدين بذلك نظرية ألبرت أينشتاين حول تكافؤ الكتلة والطاقة التي نُشرت عام 1905. هذه الاكتشافات مهدت الطريق لتطوير القنبلة الذرية في مشروع مانهاتن خلال الفترة من 1939 إلى 1945. ثم لاحقاً لتسخير الطاقة النووية بشكل متحكم به لتوليد الكهرباء والدفع البحري بعد عام 1945.
إن مسار اكتشافه واكتشاف خصائصه الإشعاعية يمثل تحولاً جذرياً في فهم البشرية للمادة والطاقة، مما أدى إلى ثورة علمية وتكنولوجية ذات تأثيرات عميقة على الحضارة الإنسانية. الاكتشافات المتتالية، من تحديد كلابروث لليورانيوم كعنصر، إلى ملاحظة بيكريل لإشعاعيته، ثم تسمية الكوريين لـ “النشاط الإشعاعي”، لم تكن مجرد حقائق معزولة، بل كانت لبنات أساسية في بناء فهم جديد للعالم دون الذري، مما أدى إلى تأسيس مجال الفيزياء النووية. الانتقال من مجرد اكتشاف عنصر إلى فهم قدرته على الانشطار وتحرير طاقة هائلة يمثل قفزة نوعية غيرت مسار التاريخ.
هذا التحول لم يؤدِ فقط إلى تطبيقات عملية ذات أثر هائل، مثل الطاقة والأسلحة، ولكنه أيضاً غير نظرتنا للكون نفسه، مما يدل على أن الاكتشافات العلمية الأساسية، حتى تلك التي تبدو نظرية في البداية، يمكن أن يكون لها تداعيات غير متوقعة وتأثيرات تحويلية على المجتمع البشري بأكمله، سواء في التقدم أو في التحديات الأخلاقية. هذا يسلط الضوء على أهمية البحث العلمي الأساسي وكيف يمكن أن يقود إلى تطبيقات استراتيجية تغير وجه العالم.

عملية الاستخراج
اليورانيوم في الطبيعة مصادره العالمية وإنتاجه
اليورانيوم عنصر طبيعي يوجد بكميات متفاوتة في القشرة الأرضية، بمتوسط تركيز يبلغ 2.8 جزء في المليون. يمكن العثور على آثاره في كل مكان تقريباً، وهو أكثر وفرة من الذهب والفضة والزئبق، ومماثل تقريباً للقصدير، وأقل قليلاً من الكوبالت والرصاص والموليبدينوم. ويتركز بشكل خاص في الصخور، لا سيما الصخور النارية، علاوة على التربة والمياه، بما في ذلك كميات هائلة في محيطات العالم ولكن بتركيزات منخفضة جداً.
تتجاوز درجات معظم رواسب خام اليورانيوم التي تدعم المناجم الحالية 0.10% من اليورانيوم، أي أكثر من 1000 جزء في المليون. بعض المناجم الكندية تتميز بخامات عالية الجودة تصل إلى 20% يورانيوم، بينما يمكن لمناجم أخرى أن تعمل بنجاح بخامات منخفضة الجودة تصل إلى حوالي 0.02% يورانيوم. يتم استخراجه عادة من خلال التعدين السطحي (المكشوف) أو التعدين تحت الأرض، ويعتمد الاختيار على عمق الخام. يمكن أيضاً استعادته كمنتج ثانوي من معالجة خامات أخرى مثل النحاس، كما هو الحال في منجم أولمبيك دام بأستراليا، أو من رواسب الفوسفات، كما في المغرب وفلوريدا، حيث تكون تركيزاته في هذه الحالات أقل بكثير من تلك الموجودة في الرواسب التي تُعدن أساساً له.
لماذا يجب على العالم تنويع مصادر اليورانيوم؟
فيما يتعلق بالإنتاج العالمي، تشير أحدث البيانات من تقرير UxC LLC لعام 2024 إلى أن إجمالي الإنتاج العالمي من أكسيد اليورانيوم (U₃O₈). بلغ 157 مليون رطل (ما يعادل حوالي 71,214 طناً مترياً)، بزيادة 11% عن إنتاج عام 2023 الذي بلغ 142 مليون رطل (حوالي 64,410 طناً مترياً). تتصدر كازاخستان قائمة الدول المنتجة، حيث أنتجت 60.5 مليون رطل (حوالي 27,442 طناً مترياً) في عام 2024. وهو ما يمثل 38.6% من الإجمالي العالمي. تليها كندا بإنتاج 37.2 مليون رطل (حوالي 16,874 طناً مترياً)، مما يمثل 23.7% من الإنتاج العالمي.
في حين احتلت ناميبيا المركز الثالث بإنتاج 19.1 مليون رطل (حوالي 8,664 طناً مترياً)، مساهمة بنسبة 12.2%. وجاءت أستراليا رابعاً بإنتاج 12.0 مليون رطل (حوالي 5,443 طناً مترياً)، بنسبة 7.7% من الإجمالي. أما أوزبكستان، فقد أنتجت 10.4 مليون رطل (حوالي 4,717 طناً مترياً)، بنسبة 6.6% من الإجمالي العالمي. بينما تؤكد هذه الأرقام أن الدول الخمس الرائدة في إنتاج اليورانيوم تساهم بما يقرب من 90% من الإجمالي العالمي، مما يسلط الضوء على التركيز الكبير في قطاع الإنتاج.
كما إن هذا التركيز الجغرافي الكبير لإنتاجه في عدد قليل من الدول يمثل نقطة ضعف استراتيجية لسلاسل الإمداد العالمية، مما يجعل سوق اليورانيوم عرضة للتقلبات الجيوسياسية والعوامل الاقتصادية، هذا التركيز يخلق اعتماداً كبيراً على استقرار هذه الدول وسياساتها. في سياق تزايد الطلب العالمي على الطاقة النووية كجزء من حلول تغير المناخ وأمن الطاقة، فإن أي اضطراب في هذه الدول المنتجة الرئيسية. مثل عدم الاستقرار السياسي، أو تغيير السياسات التنظيمية، أو الكوارث الطبيعية. أو حتى التحديات التشغيلية في المناجم الكبرى، يمكن أن يؤثر بشكل كبير على توافره وأسعاره عالمياً. هذا يعكس هشاشة أمن إمدادات الوقود النووي، ويدفع الدول المستهلكة إلى البحث عن تنويع المصادر أو تطوير تقنيات استخراج بديلة. هذه الظاهرة تدعو إلى ضرورة تنويع مصادره وتطوير تقنيات تعدين أكثر مرونة لضمان استقرار الإمدادات العالمية في المستقبل.

اليورانيوم المنضب
تطبيقات اليورانيوم
بينما تتسم استخداماته بتنوع كبير، وقد تطورت بشكل ملحوظ عبر التاريخ. في القرن التاسع عشر. اقتصر استخدام اليورانيوم على شكله الطبيعي كثنائي أكسيد اليورانيوم لتلوين الزجاج والسيراميك، وإضفاء اللون الأصفر عليها. ولا يزال هذا الاستخدام المدني له قائماً في بعض المنتجات الاستهلاكية، خاصة اليورانيوم المنضب.
لكن الدور الأكثر أهمية لليورانيوم يكمن في كونه الوقود الأساسي للمفاعلات النووية. حيث يستخدم في هذه المحطات لتوليد الحرارة وتسخين المياه لإنتاج البخار الذي يدير التوربينات لتوليد الكهرباء. يعتمد هذا الاستخدام على الانشطار المتحكم فيه لنظير اليورانيوم-235، الذي يطلق طاقة هائلة عند قصفه بالنيوترونات. يتم التحكم في هذا التفاعل بعناية في محطات الطاقة لمنع حدوث انفجار.
إلى جانب توليد الطاقة، يلعب دوراً حاسماً في صناعة الأسلحة النووية. فالنظير المخصب بدرجة عالية (HEU)، الذي يحتوي على أكثر من 90% من اليورانيوم-235، هو المادة الخام الرئيسية لصنع الأسلحة النووية. كما يمكن تحويل نظير اليورانيوم-238 إلى البلوتونيوم-239، وهي مادة انشطارية أخرى تستخدم في الأسلحة النووية.
تتعدد تطبيقات اليورانيوم الأخرى لتشمل:
- الدفع البحري: يستخدم اليورانيوم المخصب في تشغيل المفاعلات النووية التي تدفع السفن والغواصات البحرية.
- النظائر الطبية والبحث العلمي: يستخدم اليورانيوم وغيره من النويدات المشعة في الطب النووي، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي والأشعة السينية والعلاج الإشعاعي. كما يستخدم في البحث العلمي لتحديد أعمار الصخور والمواد، وفي الدراسات الأيضية، وفي الزراعة لإشعاع الغذاء والبذور، وفي المنتجات الاستهلاكية مثل كاشفات الدخان والساعات.
- صناعة الأسمدة: يوجد اليورانيوم بتركيزات نموذجية في الأسمدة الفوسفاتية.
كما إن تعدد استخداماته، من تلوين الزجاج إلى توليد الطاقة وتصنيع الأسلحة، يعكس قدرته الفريدة على تحرير الطاقة، ولكنه أيضاً يبرز التحدي الأخلاقي والسياسي المتمثل في إدارة هذه القوة المزدوجة الاستخدام. إن استخدامه في محطات الطاقة النووية وفي الأسلحة النووية يوضح طبيعته “ذات الاستخدام المزدوج”. الانتقال من الاستخدامات البسيطة في القرن التاسع عشر، مثل تلوين الزجاج، إلى تطبيقاته المعقدة والخطيرة في القرن العشرين والواحد والعشرين، مثل توليد الطاقة على نطاق واسع وتصنيع الأسلحة النووية، يمثل قفزة تكنولوجية هائلة. هذه القفزة خلقت معضلة عالمية: كيف يمكن تسخير قوته الهائلة للخير، كتوليد الطاقة النظيفة والتطبيقات الطبية، مع منع إساءة استخدامه للدمار، كصنع الأسلحة النووية؟ هذا يقود إلى نقاشات دولية معقدة حول الرقابة على المواد النووية، ومعاهدات عدم الانتشار، وأمن المواد النووية، مما يؤثر بشكل مباشر على الاستقرار العالمي. الفهم العميق لهذه الطبيعة المزدوجة ضروري لأي تحليل شامل لدور اليورانيوم في العالم الحديث.
“اليورانيوم المنضب” استخداماته وتحدياته
اليورانيوم المنضب (DU) هو منتج ثانوي لعملية تخصيب اليورانيوم الطبيعي لإنتاج وقود المفاعلات النووية أو اليورانيوم المخصب للأسلحة. يتميز باحتوائه على نسبة أقل بكثير من نظير اليورانيوم-235 القابل للانشطار (0.2% إلى 0.4% U-235) مقارنة باليورانيوم الطبيعي (0.71% U-235).
كما تستغل خصائص اليورانيوم المنضب الفريدة في تطبيقات متعددة، نظراً لكثافته العالية جداً، والتي تقارب كثافة اليورانيوم الطبيعي (19.1 غ/سم³)، وكونه أقل إشعاعية بنسبة 40% من اليورانيوم الطبيعي. يستخدم اليورانيوم المنضب عندما تكون الكثافة العالية مرغوبة دون الحاجة لمستويات عالية من النشاط الإشعاعي.
التطبيقات العسكرية
يستخدم اليورانيوم المنضب في صنع المقذوفات الخارقة للدروع بسبب كثافته العالية وقدرته على الاشتعال الذاتي عند الاصطدام بالهدف، مما يزيد من فعاليتها. كما يستخدم في الدروع الواقية للدبابات، حيث يوضع بين ألواح الدروع الفولاذية لتعزيز الحماية ضد المقذوفات. أما في التطبيقات المدنية والصناعية، فيُستخدم كحاجز للوقاية من الإشعاع في المعدات الطبية، مثل العلاج الإشعاعي وأجهزة التصوير الصناعي، وحاويات نقل المواد المشعة. كما يُستخدم كأوزان موازنة في الطائرات للتحكم في التوازن وفي عوارض المراكب الشراعية ، بالإضافة إلى تطبيقات أخرى مثل معايرة أجهزة الكشف في فيزياء الجسيمات عالية الطاقة.
على الرغم من أن اليورانيوم المنضب أقل إشعاعية بنسبة 40% من اليورانيوم الطبيعي، إلا أنه لا يزال معدناً ثقيلاً يمتلك خصائص سمية كيميائية. الخطر الرئيسي لليورانيوم المنضب، خاصة عند التعرض لجرعات عالية أو استنشاق جسيماته، هو سميته الكيميائية التي قد تسبب آثاراً صحية ضارة، خاصة على الكلى. الجسيمات ألفا، وهي النوع الرئيسي للإشعاع الذي ينتجه اليورانيوم المنضب، يمكن أن تحجبها الجلد، بينما تحجب الملابس والأحذية جسيمات بيتا. أما أشعة جاما، فرغم أنها عالية الاختراق، فإن كميتها المنبعثة من اليورانيوم المنضب منخفضة جداً. من المفاهيم الخاطئة الشائعة أن الإشعاع هو الخطر الأساسي لليورانيوم المنضب، ولكن في معظم سيناريوهات التعرض في ساحة المعركة، فإن هذا ليس هو الحال، حيث يكون الخطر الكيميائي هو الأبرز.
هل المخاطر الكيميائية تفوق الإشعاعية؟
اليورانيوم المنضب يمثل مفارقة؛ فهو منتج ثانوي لعملية التخصيب النووي، لكن خصائصه الفيزيائية، لا سيما كثافته العالية. تجعله مفيداً في تطبيقات غير نووية، مما يحول “النفايات” إلى موارد قيمة، مع استمرار التحديات المتعلقة بالسمية الكيميائية والتصورات العامة. إن كونه نتاجاً ثانوياً لعملية تخصيب اليورانيوم يعني أن إنتاجه مرتبط بشكل مباشر بزيادة الطلب على اليورانيوم المخصب للطاقة والأسلحة. وأن له خصائص فريدة تميزه عن اليورانيوم الطبيعي.
بدلاً من أن يكون مجرد نفايات نووية تتطلب التخلص منها، فإن كثافته العالية ومستواه الإشعاعي المنخفض نسبياً. تجعله ذا قيمة اقتصادية واستراتيجية في تطبيقات متعددة مثل الدروع والذخائر والأوزان الموازنة. هذا يمثل تحولاً من “مشكلة نفايات” إلى “مادة ذات استخدامات متعددة”، مما يقلل من تكلفة التخلص منه ويخلق قيمة اقتصادية. ومع ذلك، فإن هذه الاستخدامات تثير قلقاً عاماً بشأن الآثار الصحية المحتملة، مما يستدعي بحثاً مستمراً. وتوعية بشأن سميته الكيميائية، وتوضيح المفاهيم الخاطئة حول مخاطره الإشعاعية. فهم هذه الديناميكية يسلط الضوء على الابتكار في إدارة النفايات النووية والتحديات المستمرة في التواصل العام حول المخاطر الحقيقية مقابل التصورات.
أسعار اليورانيوم العالمية
يباع خام اليورانيوم بشكل عام بوحدة الرطل، ويُعرف على نطاق واسع بأكسيد اليورانيوم المركّز، أو “الكعكة الصفراء” (U₃O₈)، وهو الشكل الذي يتم تداوله في السوق الفورية. شهدت الأسعار تقلبات كبيرة في السنوات الأخيرة. فقد ارتفعت الأسعار بشكل ملحوظ. وفقاً لـ YCharts، بلغ سعر اليورانيوم الفوري 52.17 دولاراً أمريكياً للرطل في أبريل 2025. ورغم أن هذا يمثل انخفاضاً بنسبة 27.18% عن سعره قبل عام (71.64 دولاراً في أبريل 2024)، إلا أن سوق اليورانيوم الفوري أظهر ارتفاعاً ملحوظاً في مايو 2025. بينما وصل السعر إلى 71.10 دولاراً للرطل، بزيادة قدرها 6% عن مستوى أبريل. وفي يونيو 2025، تشير بعض المصادر إلى أن السعر الفوري بلغ 74.50 دولاراً للرطل. مما يؤكد التقلبات المستمرة ويعكس ديناميكية السوق وتأثرها بالعديد من العوامل.
العوامل المؤثرة على الأسعار
تتأثر الأسعار بعدة عوامل رئيسية. أولاً، يلعب الطلب على الطاقة النووية دوراً حاسماً؛ فأي زيادة أو نقص في بناء المفاعلات النووية الجديدة أو تمديد عمر المفاعلات القائمة يؤثر بشكل مباشر على الطلب على اليورانيوم. على سبيل المثال، يشير دعم الرئيس الأمريكي للطاقة النووية في مايو 2025 لزيادة القدرة التوليدية إلى زيادة محتملة في الطلب المستقبلي. ثانياً، تؤثر مستويات الإنتاج من الدول الرئيسية، مثل كازاخستان وكندا وناميبيا وأستراليا، بشكل كبير على العرض في السوق. ثالثاً، يؤثر حجم المخزونات العالمية لدى المرافق والشركات على الحاجة للشراء الفوري في السوق. رابعاً، يمكن أن تؤثر السياسات الحكومية والتنظيمية بشكل كبير على الطلب المستقبلي. كما يتضح من قرار بلجيكا إلغاء قانون التخلي عن الطاقة النووية وتمديد عمر المفاعلات. أخيراً، يمكن أن يؤثر أي عدم استقرار في الدول المنتجة الرئيسية على سلاسل الإمداد العالمية وبالتالي على الأسعار.
إن سوق اليورانيوم يتميز بتقلبات كبيرة تتجاوز العرض والطلب المباشر، متأثراً بعمق بالسياسات الحكومية، والمخاوف البيئية. والأحداث الجيوسياسية، مما يجعله مؤشراً على التوجهات العالمية في الطاقة والأمن. الارتفاع الأخير في الأسعار ليس مجرد نتيجة لزيادة الطلب على الطاقة، بل هو أيضاً انعكاس مباشر لقرارات سياسية استراتيجية. مثل دعم الطاقة النووية في الولايات المتحدة وتحديد أهداف لزيادة القدرة التوليدية. بالإضافة إلى تغيير السياسات في دول أوروبية مثل بلجيكا التي تراجعت عن خطط التخلي عن الطاقة النووية. هذا يوضح أن سوق اليورانيوم هو سوق استراتيجي يتأثر بشكل كبير بالتدخلات الحكومية والمخاوف المتعلقة بأمن الطاقة وتغير المناخ. مما يضيف طبقة من التعقيد تتجاوز ديناميكيات السلع الأساسية التقليدية. فهم هذه العوامل المعقدة ضروري للمستثمرين وصناع السياسات في قطاع الطاقة. حيث أن التغيرات في السياسات يمكن أن تحدث تحولات جذرية في قيمة هذه السلعة الحيوية.
مخاطر اليورانيوم على الصحة
يتعرض معظم الأفراد لليورانيوم الطبيعي بشكل يومي من خلال الغذاء والماء، وبدرجة أقل من الهواء. يستهلك الأفراد عادة حوالي 1-2 ميكروغرام من اليورانيوم الطبيعي يومياً عبر الغذاء، وحوالي 1.5 ميكروغرام لكل لتر من الماء يشربونه. توجد مستويات منخفضة جداً من اليورانيوم في اللحوم والدواجن والبيض والأسماك والمحار والحليب، بينما تميل الخضروات الجذرية، مثل البنجر والبطاطس، إلى احتواء كميات أكبر. هذه الكميات الصغيرة لا تعتبر ضارة بالصحة.
إن الآثار الصحية المحتملة للتعرض لليورانيوم، خاصة اليورانيوم الطبيعي والمنضب. ترجع في المقام الأول إلى خصائصه الكيميائية كمعدن ثقيل، وليس إلى إشعاعه المنخفض. الخطر الصحي الأكثر احتمالاً من تناول كميات كبيرة منه هو تلف الكلى. أظهرت الدراسات على البشر المعرضين لمستويات عالية بشكل غير طبيعي منه في مياه الشرب. (بمتوسط 100-600 ميكروغرام/لتر) على مدى سنوات تلفاً طفيفاً في أنسجة الكلى، وقد يكون هذا التلف قابلاً للعكس بعد توقف التعرض. لم تظهر دراسات على العمال المعرضين لليورانيوم مهنياً أي دليل على أمراض كلوية خطيرة أو آثار صحية أخرى كبيرة.
المخاطر الإشعاعية
فيما يتعلق بالمخاطر الإشعاعية، ينتج اليورانيوم الطبيعي إشعاعاً قليلاً جداً. واليورانيوم المنضب أقل إشعاعية بنسبة 40% من اليورانيوم الطبيعي. الجسيمات ألفا، وهي النوع الرئيسي للإشعاع الذي ينتجه اليورانيوم المنضب. يمكن أن تحجبها الجلد، وجسيمات بيتا تحجبها الملابس والأحذية. لم تظهر الدراسات على البشر والحيوانات المعرضين لمستويات عالية منه لفترات طويلة معدلات سرطان أعلى من المتوقع. بالنسبة لعمال مناجم اليورانيوم، قد تكون هناك تقارير عن سرطان الرئة وأنواع أخرى من السرطان. ولكن هذا قد يكون مرتبطاً بعوامل أخرى في بيئة التعدين مثل التعرض لغاز الرادون، وهو غاز مشع ينبعث من الصخور الغنية باليورانيوم، أو دخان التبغ.
هناك اعتقاد خاطئ شائع بأن الإشعاع هو الخطر الأساسي لليورانيوم المنضب. لكن هذا ليس هو الحال في معظم سيناريوهات التعرض في ساحة المعركة، حيث يكون الخطر الكيميائي هو الأبرز. الخطر الكيميائي هو الأكثر أهمية، ولكن احتمالية استنشاق أو ابتلاع كميات كافية من اليورانيوم المنضب. لإحداث مخاوف من المعادن الثقيلة تعتبر ضئيلة في معظم الظروف. هذا التمييز مهم لتصحيح التصورات العامة وضمان فهم دقيق للمخاطر الحقيقية المرتبطة به.
مستقبل اليورانيوم
بعيداً عن كونه مجرد عنصر كيميائي، يقف اليورانيوم كعنصر محوري في رسم ملامح المستقبل العالمي. إن رحلته من اكتشاف خصائصه الفيزيائية والكيميائية الفريدة، إلى فهم قدرته على الانشطار النووي، قد غيرت مسار التاريخ البشري بشكل جذري. فمنذ اكتشافه الأولي في عام 1789، مروراً باكتشاف إشعاعيته في أواخر القرن التاسع عشر، وصولاً إلى تسخير طاقته الهائلة في القرن العشرين. أثبت أنه قوة لا يستهان بها، قادرة على توفير الطاقة النظيفة وفي الوقت نفسه تحمل إمكانات تدميرية هائلة.
تطبيقاته المتنوعة، من توليد الكهرباء في محطات الطاقة النووية إلى استخدامه في الأسلحة والدروع، وحتى في الطب والزراعة. تؤكد على طبيعته المزدوجة التي تتطلب إدارة دقيقة ورقابة دولية صارمة. إن التركيز الجغرافي لإنتاج اليورانيوم في عدد قليل من الدول يطرح تحديات كبيرة لأمن الإمدادات العالمية، مما يدفع الدول إلى التفكير في تنويع مصادرها وتطوير تقنيات تعدين أكثر استدامة.
على الصعيد الصحي، تظهر البيانات أن المخاطر المرتبطة به، خاصة اليورانيوم المنضب، ترتبط بشكل أساسي بسميته الكيميائية. كمعدن ثقيل، وليس بمستوياته الإشعاعية المنخفضة في معظم سيناريوهات التعرض. هذا الفهم الدقيق للمخاطر يساعد في تبديد المفاهيم الخاطئة وتعزيز الوعي العام.
في ظل تزايد الطلب العالمي على الطاقة النظيفة لمواجهة تغير المناخ، وإعادة تقييم العديد من الدول لدور الطاقة النووية في مزيجها الطاقوي. من المتوقع أن يزداد الطلب على اليورانيوم. ومع ذلك، فإن ديناميكيات سوقه المعقدة، المتأثرة بالسياسات الحكومية والتوجهات الجيوسياسية، ستظل تحدياً مستمراً. إن مستقبل اليورانيوم سيتوقف على قدرة المجتمع الدولي على الموازنة بين تسخير قوته الهائلة. لتحقيق التنمية المستدامة وضمان عدم إساءة استخدامه، مع الاستمرار في البحث العلمي لتعزيز سلامة التعامل معه وإدارة نفاياته بفعالية.
المصادر:
- https://www.energy.gov/management/articles/manhattan-project
- https://www.iaea.org/newscenter/news/what-is-nuclear-energy-the-science-of-nuclear-power
- https://www.epa.gov/radtown/depleted-uranium
- https://world-nuclear.org/information-library/nuclear-fuel-cycle/conversion-enrichment-and-fabrication/uranium-enrichment
- https://www.britannica.com/science/atom/Discovery-of-radioactivity
- https://iris.who.int/bitstream/handle/10665/66930/WHO_SDE_PHE_01.1.pdf
- https://world-nuclear.org/information-library/current-and-future-generation/outline-history-of-nuclear-energy