في شوارع منطقة العمرانية بمحافظة الجيزة، يسير رجل في الستينيات من عمره بملامح تنضح بالطيبة، يُعرف بـ “حبيب اليتامى”. يحمل هذا الرجل، واسمه الحقيقي إيهاب، وردة في يده لا يبيعها ولا يطلب مقابلها شيئًا، بل يوزعها بابتسامة واسعة على الفتيات والسيدات. خلف هذه البساطة، تكمن قصة مؤثرة مليئة بالمعاناة والإنسانية.
طفولة قاسية ودروس لا تُنسى
نشأ إيهاب في منطقة مصر الجديدة، حيث كان يعيش مع والديه وشقيقته. لم تكن طفولته مستقرة؛ فقد تخلى الأب عن الأسرة مبكرًا، تاركًا إياهم يواجهون مصاعب الحياة بمفردهم. رغم صغر سنه آنذاك، شعر إيهاب بمسؤولية كبيرة تجاه والدته وشقيقته. سعى جاهدًا لتعويض أخته الصغيرة عن غياب والدها، محاولًا إسعادها بطريقته الخاصة.
ولأنه لم يكن يملك المال، كان يذهب إلى متجر قريب ويأخذ قطعتين من الشوكولاتة: واحدة له والأخرى لأخته. لكن صاحب المتجر لاحظ تكرار الأمر، وفي أحد الأيام، أمسك بإيهاب. كان هذا الموقف قاسيًا وترك أثرًا عميقًا في قلبه، ولم ينسه إيهاب حتى اليوم، لكنه ظل يحمل في داخله إحساسًا عميقًا بالمسؤولية.

إيهاب “حبيب اليتامى” في لقاء خاص مع “Nightly News عربية”
حب ضائع ورسالة إنسانية
مع مرور السنوات، كبر إيهاب ووقع في الحب، لكن القدر لم يمهله كثيرًا حيث رحلت حبيبته عن الحياة. أصر إيهاب على الوفاء لذكراها، ولم يتزوج بعدها، وظل قلبه مغلقًا أمام أي علاقة جديدة.
من لقاء عابر إلى “حبيب اليتامى”
التحول الكبير في حياة إيهاب حدث قبل سبع سنوات. بينما كان يسير في أحد الشوارع، مر بمجموعة من الفتيات الصغيرات وقرر أن يمنحهن بعض البسكويت. لكنه فوجئ بهن يبكين بحرقة. وعندما سأل عن السبب، أخبرنه أنهن يتيمات. كانت تلك اللحظة هي نقطة التحول في حياته. قرر إيهاب أن يجعل من الورد وسيلته لتوصيل الحب والاحتواء. ومنذ ذلك الحين، بدأ يوزع الورد على الفتيات اليتيمات أينما وجدهن، دون أن يطلب أي مقابل.
في البداية، تعرض إيهاب لسوء فهم من البعض الذين ظنوه متسولًا، لكنه رفض تمامًا أن يأخذ شيئًا من أحد. فهو رجل يعتز بكرامته بشدة، ويرى أنها أثمن ما يملكه الإنسان. ومع مرور الوقت، بدأ الناس يتعرفون عليه ويحبونه. أصبح شخصية محبوبة ومقدرة في الشارع المصري، بفضل قلبه الطيب وإنسانيته النبيلة.
يعيش إيهاب اليوم مع ابن شقيقته، ويواصل رسالته البسيطة التي اختارها لنفسه: نشر الحب والاهتمام، خاصة لأولئك الذين حرموا منها.