شهدت العلاقة الإيجارية في مصر عقودًا من الجمود بسبب قانون الإيجار القديم (القانون رقم 49 لسنة 1977 والقانون رقم 136 لسنة 1981)، الذي كرس مبدأ “الامتداد القانوني” للعقود، مما سمح للمستأجر بالبقاء مدى الحياة وتوريث العقد لأقارب الدرجة الأولى المقيمين معه.
أدى هذا إلى تجميد القيمة الإيجارية عند مستويات متدنية لا تتناسب مع القيمة السوقية، وحرم الملاك من الانتفاع العادل بأملاكهم. في 2 يوليو 2025، وافق مجلس النواب نهائيًا على مشروع قانون جديد يهدف إلى إعادة تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وتحقيق توازن عادل، وإنهاء هذا الجدل الممتد. يمثل هذا القانون تحولًا جذريًا نحو تحرير السوق العقارية من القيود التي أعاقت نموه.

قانون الإيجار القديم
الفترة الانتقالية.. إنهاء تدريجي للعقود القديمة
لضمان انتقال سلس وتجنب صدمة اجتماعية، يمنح القانون الجديد المستأجرين مهلة محددة لإنهاء العلاقة الإيجارية: 7 سنوات للوحدات السكنية، و5 سنوات للوحدات غير السكنية (التجارية). ما لم يتم التراضي على الإنهاء قبل ذلك. أكدت الحكومة تمسكها بمدة السبع سنوات للوحدات السكنية، معتبرة إياها كافية لتوفير مساكن بديلة ومراعاة للبعد الاجتماعي.
بعد هذه الفترة، ستخضع جميع العقود لأحكام القانون المدني؛ ما يلغي القيود الاستثنائية التي فرضتها القوانين القديمة. تنص المادة التاسعة من القانون الجديد صراحة على إلغاء القوانين المنظمة السابقة (49 لسنة 1977 و136 لسنة 1981 والقانون رقم 6 لسنة 1997) بعد 7 سنوات من تطبيق القانون الجديد.
تحديد الأجرة
في السابق، حدد قانون 136 لسنة 1981 قيمة الإيجار السكني بـ7% من قيمة الأرض والمباني، وزيادة تتراوح بين 5-30% للوحدات غير السكنية. أما القانون الجديد، فقد استحدث آليات جديدة لتحديد الأجرة وزيادات تصاعدية.
سيتم تشكيل لجان في كل محافظة لتصنيف المناطق التي تضم وحدات خاضعة لأحكام القانون إلى ثلاث فئات: متميزة، متوسطة، واقتصادية. يتم هذا التصنيف بناءً على معايير تشمل الموقع الجغرافي، نوعية البناء، ومستوى الخدمات والبنية التحتية المتاحة. يجب أن تنهي هذه اللجان عملها خلال 3 أشهر من بدء تطبيق القانون، مع إمكانية التمديد لمرة واحدة.
تتضمن تفاصيل الزيادات الأولية للأجرة ما يلي:
الوحدات السكنية في المناطق المتميزة، تزيد الأجرة بمقدار 20 ضعف القيمة الحالية، بحد أدنى ألف جنيه. في المناطق المتوسطة، تزيد بمقدار 10 أضعاف القيمة الإيجارية، بحد أدنى 400 جنيه. وفي المناطق الاقتصادية (الشعبية)، تزيد بمقدار 10 أضعاف القيمة الإيجارية، بحد أدنى 250 جنيه.
الوحدات غير السكنية (التجارية) تزيد الأجرة لتصبح 5 أمثال القيمة الإيجارية القانونية السارية.
تبدأ الزيادة في الأجرة من أول الشهر التالي لقرار المحافظ المختص بتصنيف المناطق. يلتزم المستأجر بسداد أجرة شهرية بواقع 250 جنيهًا مؤقتًا، بدءًا من أول الشهر التالي لتاريخ العمل بالقانون، مع الالتزام بسداد الفروق المستحقة للزيادة بعد صدور قرار المحافظ بتصنيف الوحدات.
تزداد القيمة الإيجارية المحددة سنويًا بنسبة 15% بصفة دورية خلال الفترة الانتقالية لجميع العقود الخاضعة لهذا القانون. تهدف هذه الزيادات إلى تصحيح التشوهات السعرية التي تراكمت على مدار عقود، وتحفيز الاستثمار في العقارات المؤجرة.

قانون الإيجار القديم
حالات الإخلاء
كانت حالات الإخلاء في ظل القانون القديم محدودة للغاية وصعبة الإثبات؛ ما جعل استعادة الملاك لعقاراتهم أمرًا شبه مستحيل، كما أن امتداد العقد للورثة كان يحد من قدرة المالك على التصرف في ملكيته.
أما القانون الجديد، فقد استحدث حالات جديدة للإخلاء الفوري قبل انتهاء المدة الانتقالية، بهدف استعادة حقوق الملكية ومكافحة سوء الاستخدام. تشمل هذه الحالات:
- إذا ثبت إغلاق الشقة مدة تزيد على سنة دون مبرر.
- إذا ثبت امتلاك المستأجر لوحدة سكنية أو تجارية أخرى صالحة للاستخدام في ذات الغرض.
في هذه الحالات، يمكن لقاضي الأمور الوقتية إصدار أمر طرد للمؤجر، يسرع من إجراءات استعادة الملكية. ويحق للمستأجر الطعن على القرار، لكن الطعن لا يوقف تنفيذ أمر الطرد.
كما ينهي القانون الجديد مبدأ التوريث غير المقيد للعقود القديمة؛ حيث سيخضع العقد للقانون المدني بعد الفترة الانتقالية، مع تقييد حق التوريث على الأبناء القصر أو الفتاة حتى زواجها، أو تحديد مدة 50 عامًا من تاريخ العقد الأصلي.
دعم المستأجرين وتوفير البدائل
إدراكًا للبعد الاجتماعي للقانون، يمنح القانون المستأجرين أولوية الحصول على وحدات بديلة (سكنية أو تجارية) من جانب الدولة قبل انقضاء المدة المحددة.
يكون التخصيص للحالات الأولى بالرعاية، بشرط تقديم إقرار الإخلاء وتسليم العين المستأجرة فور صدور قرار التخصيص واستلام الوحدة.
وأكدت الحكومة على توسيع مظلة الإسكان الاجتماعي لتشمل الأسر المتضررة من تطبيق القانون، بما يعكس التزام الدولة بمراعاة البعد الاجتماعي وتوفير الدعم اللازم لمن يتأثرون بالقرار.
نحو سوق عقارية أكثر ديناميكية
يمثل القانون الجديد نقطة تحول حاسمة في تاريخ التشريع العقاري المصري؛ إذ سيتم إلغاء القوانين المنظمة السابقة بالكامل بعد انتهاء الفترة الانتقالية، مما ينهي عقودًا طويلة ويفتح الباب أمام نظام إيجاري جديد كليًا.
يهدف القانون إلى حل أزمة اجتماعية واقتصادية ممتدة وإحداث توازن في العلاقة بين المالك والمستأجر بعد عقود من التجميد التشريعي.
لقد أثار القانون جدلًا واسعًا في الشارع المصري، بين مؤيدين يرون فيه استعادة لحقوق الملاك، ومعارضين يعبرون عن مخاوفهم بشأن البعد الاجتماعي وتأثيره في الأسر محدودة الدخل. وقد شهدت جلسة التصويت انسحاب بعض نواب المعارضة اعتراضًا على إقرار المادة الثانية التي توجب الإخلاء بعد 7 سنوات.
رغم إقرار القانون، فإن الجدل المصاحب يشير إلى أن التحديات الاجتماعية لم تنتهِ بعد، ونجاح القانون على المدى الطويل سيعتمد بشكل كبير على كفاءة برامج الدعم الحكومي للمستأجرين وقدرتهم على التكيف. كما تعهدت الحكومة بمراعاة البعد الاجتماعي للمستأجرين وتوفير الدعم اللازم لمن يتأثرون بالقرار.