في ظل موجة حر غير مسبوقة، تجد أثينا، العاصمة الأوروبية الأكثر حرارة، نفسها في مواجهة تحدٍ مزدوج: حماية ملايين السياح من درجات حرارة تتجاوز 40 درجة مئوية، والتكيّف مع الضغوط المتزايدة على مواردها وبنيتها التحتية. فخلال العامين الماضيين، ومع ذروة الموسم السياحي، اضطرت السلطات مرارًا وتكرارًا لإغلاق قمة أكروبوليس أثينا، الموقع الأكثر زيارة في اليونان، لضمان سلامة الزوار والموظفين.
أثينا
صيف حارق وتدفق سياحي قياسي
الوقوف بين أعمدة معبد البارثينون الرخامية، التي تعكس شمس البحر الأبيض المتوسط الحارقة، أصبح أشبه باختبار تحمل، خاصة مع تصاعد دخان حرائق الغابات في الخلفية. وتتوقع هيئة الأرصاد الجوية الوطنية أن يواجه الوافدون في شهري يوليو وأغسطس من عام 2025 درجات حرارة أكثر تطرفًا.
وازدهرت السياحة إلى اليونان في السنوات الأخيرة، حيث يتوقع المسؤولون أن تستقبل أثينا عددًا قياسيًا من الزوار يبلغ 10 ملايين زائر هذا العام. هذا التدفق السياحي، بالرغم من أهميته الاقتصادية، يخلق “عاصفة” حقيقية من السياحة والشمس الحارقة. زيادة تدفقات السياحة تعني أيضًا زيادة الضغط على موارد المياه الشحيحة والبنية التحتية الضعيفة، بالإضافة إلى تفاقم مشكلة التضخم، مما يدفع السكان المحليين للنزوح من المدينة لإفساح المجال للوافدين الأثرياء. ويرى عمدة أثينا، هاريس دوكاس، أن “بناء القدرات للصمود مسألة حياة أو موت”.
جهود متعددة لمواجهة التحدي
تتخذ المدينة، على المدى القصير، عدة إجراءات لمواجهة الحرارة. تشمل هذه الإجراءات إنشاء أنظمة إنذار مبكر لموجات الحر، تشييد نوافير ومراكز تبريد مكيفة، وحدائق صغيرة مظللة لتوفير الإغاثة. وقد تم بالفعل تعزيز خدمات الطوارئ لمساعدة الزوار الذين يعانون من مشاكل صحية مرتبطة بالحرارة.
تقول إيريس بلايتاكيس، المرشدة السياحية: “غالبًا ما يستهين السياح بالحرارة، وخاصة القادمون من المناطق الباردة. بينما لا يفكرون في ارتداء القبعات أو إحضار ما يكفي من الماء”. وتضيف إين فانديكاستيل، خبيرة التكيف الحضري في الوكالة الأوروبية للبيئة. أن “موجات الحر مسؤولة عن أكثر من 80% من الوفيات الناجمة عن الظواهر الجوية والمناخية في أوروبا”.
خطط طويلة الأمد: أثينا الخضراء والذكية
على المدى البعيد، تواجه أثينا تحدي إعادة تشكيل مدينة أصبحت بمثابة حوض حراري خرساني بمساحات خضراء محدودة. هي واحدة من أقل المدن خضرة في أوروبا وثاني أكثرها كثافة سكانية بعد باريس. في عام 2021، أصبحت المدينة أول مدينة أوروبية تعيّن “مسؤولًا تنفيذيًا للتعامل مع الحرارة” لتعزيز وتنسيق استراتيجيات التكيف.
يقول العمدة دوكاس: “في غضون عام واحد فقط، زرعنا 7 آلاف شجرة، وهو أمر صعب في مدينة مكتظة بالسكان. ونريد أن يصل هذا العدد إلى 28 ألف شجرة خلال أربع سنوات، كما نعمل على إنشاء ممرات خضراء”.
كما تعيد أثينا النظر في بنيتها التحتية الحضرية، وتعيد تصميم الطرق، وتختار مواد تشييد وبناء تمتص الحرارة، بالإضافة إلى إنشاء غابة مصغرة. هي الأولى من نوعها في اليونان، في كيبسيلي. الهدف هو “خفض درجة الحرارة المدركة بمقدار 5 درجات مئوية خلال خمس سنوات”.
مشاريع رائدة: من القنوات الرومانية إلى أثينا ريفييرا
في ضاحية خالاندري الخضراء، تعاد إحياء قناة رومانية تعود للقرن الثاني الميلادي لري المساحات الخضراء والأحياء العصرية. مما سيوفر ما بين 80 ألفًا و100 ألف متر مكعب سنويًا من المياه هذا الصيف.
ومن المشاريع الرئيسية الجارية أيضًا، مشروع إعادة ربط أثينا بالبحر وتجديد منطقة “أثينا ريفييرا”. وتشهد المدينة أكبر تحول حضري أخضر في البلاد على الإطلاق في إلينيكون، مطار أثينا السابق. بينما تعد حديقة إلينيكون متروبوليتان لتصبح أكبر منطقة خضرة في أثينا. وواحدة من أكبر الحدائق الساحلية في العالم، ومن المتوقع أن تجذب مليون سائح سنويًا.
مخاوف وتحديات مستمرة
تظهر التقارير الرسمية انخفاض منسوب مخزون المياه بانتظام، ويتفاقم الوضع. بسبب زيادة الطلب السياحي وحرائق الغابات الواسعة التي دمرت 40% من المناطق الشجرية حول المدينة في أقل من عقد من الزمان.
استقبلت اليونان عددًا قياسيًا من السائحين بلغ 36 مليون سائح عام 2024، أي أكثر من ثلاثة أضعاف عدد سكان البلاد، وتتوقع “فيتش سوليوشنز” أن يصل العدد إلى 40 مليونًا بحلول عام 2030.
بينما تأمل أثينا في إعادة توجيه بعض سياحة موسم الصيف إلى أوقات أخرى من العام، وتحاول إشراك الزوار في جهود الحماية الذاتية. من درجات الحرارة المرتفعة، من خلال نصائح بسيطة مثل شرب القهوة المثلجة ببطء وشراء تذاكر الأكروبوليس مسبقًا. لتجنب الطوابير الطويلة وشمس الظهيرة.