قبل 100 يوم فقط أدى دونالد ترامب القسم ليعود رئيس للولايات المتحدة للمرة الثانية، حامل معه عاصفة سياسية توقعها كثيرون، لكن ما لم يتوقعه أحد بهذا الحجم، هو العاصفة الاقتصادية التي اجتاحت أميركا معه.
فخلال شهوره الأولى في البيت الأبيض، تدفق أكثر من 3.6 تريليون دولار إلى الولايات المتحدة في شكل تعهدات استثمارية من الدول أو استثمارات قيد التنفيذ من الشركات، في مشهد بدا وكأن العالم من الخليج إلى وادي السيليكون يتسابق لإعادة التموضع داخل الاقتصاد الأميركي، الموعود بفترة جديدة من الحماية والدعم والنمو الجامح.
ترامب الذي عاد بروح أكثر عنفوان، لم يكتف برفع الشعارات، بل فتح الأبواب مشرعة أمام الرساميل العالمية عبر سياسات ضريبية وتحفيزية سريعة، متوعد بفرض رسوم جمركية على الواردات الأجنبية لإجبار الدول والمستثمرين على الدخول إلى السوق الأميركية بشروطه. والنتيجة هي إعلان عن تعهدات ضخمة قاربت التريليونات، وتحريك مشروعات عملاقة في قطاعات الطاقة، التكنولوجيا، البنية التحتية، والذكاء الاصطناعي.
استثمارات الخليج تريليونات تسابق الريح
مع بداية ولايته الثانية، بدت دول الخليج وكأنها تسابق الزمن لحجز موقع استراتيجي داخل الاقتصاد الأميركي المتجدد. السعودية، التي أعلنت عن خطة لضخ استثمارات تجارية جديدة بقيمة 600 مليار دولار، وضعت نصب عينيها قطاعات الطاقة والذكاء الاصطناعي والبنية التحتية.
هذه الاستثمارات جاءت في وقت حساس لسوق النفط، حيث تدنت الأسعار بين 65 و70 دولار للبرميل، ما دفع الرياض لتعزيز شراكتها مع واشنطن في محاولة لضمان حضورها وسط التحولات الطاقية الكبرى.
والإمارات بدورها دخلت السباق بقوة غير مسبوقة، عبر إعلان التزام استثماري هائل بقيمة 1.4 تريليون دولار خلال العقد المقبل. التركيز كان منصب على الذكاء الاصطناعي، البنية التحتية الرقمية، الطاقة، وأشباه الموصلات. ولعل أبرز مشروعاتها المعلنة كان مشروع البنية التحتية الرقمية، المدعوم بالذكاء الاصطناعي بقيمة 100 مليار دولار، بالإضافة إلى استثمارات كبرى في مراكز البيانات والطاقة النظيفة.
قطر لم تكن بعيدة عن هذا الحراك، إذ عزز جهاز قطر للاستثمار اهتمامه العميق بالسوق الأميركية، مع خطط لتمويل مشاريع البنية التحتية، والموانئ، والطاقة النظيفة.
كما تستعد قطر لإطلاق صندوق مشترك لدعم شركات التكنولوجيا الناشئة في وادي السيليكون، مركزة على الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، إلى جانب توسع استثماراتها في الأمن السيبراني والبيانات الضخمة.
الطاقة والغاز الطبيعي
وسط تراجع أسعار النفط العالمية إلى مستويات تتراوح بين 65 و70 دولار للبرميل، بات واضح أن الطاقة التقليدية تحتل صدارة أولويات الاستثمارات المتدفقة نحو أميركا. التعهدات الخليجية، وخاصة من السعودية والإمارات، رصدت ما يقارب 400 إلى 450 مليار دولار لدعم مشروعات النفط والغاز والبنية التحتية الطاقية الأميركية، بما يشمل الاستثمارات في تصدير الغاز الطبيعي المسال عبر منشآت تكساس الجديدة. هذا الزخم يعكس رهانات حقيقية على بقاء النفط والغاز في صلب التحول الاقتصادي رغم صعود الطاقة النظيفة.
الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة
قطاع الذكاء الاصطناعي يعد الرابح الأكبر من تدفق التريليونات. مع إطلاق مشروع ستارجيت بتكلفة 100 مليار دولار، وتوسعات إنفيديا وأبل في الحوسبة والرقائق، يتوقع أن يتجاوز إجمالي الاستثمارات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة 350 إلى 400 مليار دولار خلال السنوات المقبلة.