مع اقتراب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من إكمال المئة يوم الأولى في ولايته الرئاسية الثانية، تتزايد التساؤلات والتحليلات بشأن التوجهات الاقتصادية التي بدأت تتضح معالمها وتأثيراتها المحتملة على الأسواق والمستثمرين والمستهلكين في الولايات المتحدة وخارجها.
بعد عودته إلى البيت الأبيض، شرعت إدارة ترامب في إعادة طرح وتنفيذ حزمة من السياسات الاقتصادية التي كانت جزءاً من أجندته السابقة، أبرزها التوسع في فرض الضرائب على الواردات، إلى جانب خطط لتعديل نظام الضرائب، وتبني سياسات أكثر صرامة بشأن الهجرة، وتنظيمات جديدة تتعلق بالعملات الرقمية والسيارات الكهربائية.
اقتصاد ترامب بعد 100 يوم .. الرسوم الجمركية محور الاستراتيجية وإعادة التصنيع
الرسوم الجمركية من أداة تفاوضية إلى سياسة ثابتة
تعد الرسوم الجمركية المفروضة على مجموعة واسعة من المنتجات المستوردة هي السمة الأبرز لسياسات ترامب الاقتصادية حتى الآن. وعلى خلاف التوقعات الأولية للمستثمرين بأن هذه الرسوم ستستخدم كورقة تفاوضية مؤقتة، فاجأت الإدارة الأسواق بفرضها بشكل فعلي وتأكيد استمراريتها كجزء من استراتيجية تهدف إلى تعزيز التصنيع المحلي وإعادة سلاسل الإمداد إلى داخل الولايات المتحدة.
في هذا السياق، يوضح ستيفن ميروو، الشريك الإداري في «بيكون بوليسي أدفايزرز»، والذي عمل سابقاً في إدارة الرئيس جورج بوش الابن، أن التوقعات تحولت من رؤية الرسوم كعامل قد يؤدي إلى ركود، إلى تقبلها كأمر واقع ما دامت الإدارة تحدد سقفاً لهذه السياسات. ويضيف ميروو أن فرض الرسوم لم يعد مجرد ورقة تفاوضية، بل هو مكون أساسي في استراتيجية إعادة التصنيع، “إذا كنت تريد إعادة التصنيع إلى الداخل، لا يكفي التهديد بالرسوم، بل يجب فرضها لإجبار الشركات على تنفيذ عمليات نقل الإنتاج”.
الرسوم الجمركية
وقد شملت الرسوم الجمركية التي فرضتها الإدارة قطاعات متنوعة:
- قطاعات مستهدفة: رسوم بنسبة 25% على واردات الصلب والألمنيوم والسيارات، مع توقعات بتطبيق رسوم مماثلة قريباً على بعض أجزاء السيارات. كما يرجح فرض ضرائب على قطاعات أخرى مثل أشباه الموصلات والأدوية والنحاس، لكن لم يتم ذلك بعد.
- المنتجات الصينية: تم فرض رسوم تراوحت بين 60% و200%، مع تطبيق نسبة 145% حالياً وإعفاءات لبعض الإلكترونيات. ورغم تصريح ترامب بأن النسبة “ستنخفض بشكل كبير”، لا يبدو أن هناك اتفاقاً وشيكاً مع بكين.
- السلع الكندية والمكسيكية: تطبيق رسوم بنسبة 25% مع إعفاءات للسلع المتوافقة مع اتفاقية التجارة الثلاثية (USMCA)، ما يعني إعفاء نحو 38% من الواردات الكندية و50% من الواردات المكسيكية. كما فرضت رسوم مخفضة بنسبة 10% على بعض المنتجات مثل البوتاس ومنتجات الطاقة الكندية.
- الرسوم الشاملة: فرضت رسوم بنسبة 10% على جميع الواردات الأميركية من دول أخرى (باستثناء الصين وكندا والمكسيك) بعد فترة توقف قصيرة. هذه الرسوم، التي كانت أعلى عند إعلانها لأول مرة، أثارت قلقاً مبدئياً وتسببت في موجة بيع تاريخية في الأسواق، وفقاً لماركت ووتش.
التضخم.. وعود بخفضه وسياسات قد ترفعه
تثير هذه الرسوم الجمركية مخاوف لدى العديد من المحللين الاقتصاديين، حيث يُنظر إليها كعامل رئيسي قد يساهم في رفع الأسعار وزيادة الضغوط التضخمية. وهذا يتعارض بشكل مباشر مع أحد أبرز الوعود الانتخابية للرئيس ترامب وهو مكافحة التضخم وتقليصه.
قالت سارة بيانكي، المديرة التنفيذية وكبيرة الاستراتيجيين في «إيفركور آي إس آي»، والتي شغلت مناصب سابقة في إدارة الرئيس بايدن: “لا يزال الوقت مبكراً، لكن معظم الاقتصاديين، من جميع الأطياف السياسية، يرون أن السياسات الحالية ستؤدي إلى المزيد من التضخم، وهذا يتناقض مع التزام ترامب بخفضه”. ورغم انخفاض مؤشر أسعار المستهلك في مارس للمرة الأولى منذ 2020، إلا أن التوقعات تشير إلى استمرار التضخم بمعدلات أعلى من الطبيعي (فوق 2% سنوياً) لفترة، وقد تؤدي الرسوم الجمركية إلى زيادات جديدة في الأسعار.
الضرائب.. تخفيضات مؤجلة ومفاوضات جارية
على صعيد السياسة الضريبية، لا يزال المستثمرون ينتظرون إشارات واضحة بشأن خطط ترامب لتمديد التخفيضات الضريبية لعام 2017 أو تقديم حوافز ضريبية جديدة. حتى الآن، تبدو هذه الخطط بعيدة عن التنفيذ الفوري.
ترى بيانكي أنه من الطبيعي ألا تكون هذه التعديلات الضريبية قد أقرت بعد، حيث تستغرق السياسات الضريبية الكبرى عادة وقتاً طويلاً للإنجاز بعد الانتخابات. ومن غير المرجح، حسب قولها، أن يتم تنفيذ كل الوعود الضريبية التي قطعها ترامب خلال حملته الانتخابية. وتشمل الخطط المقترحة جعل الأجزاء المنتهية من قانون 2017 دائمة وإنهاء سقف خصومات الضرائب المحلية والولائية، وعدم فرض ضرائب دخل فيدرالية على الإكراميات والأجور الإضافية ومزايا الضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى خفض معدل ضريبة الشركات إلى 15% للشركات المصنعة محلياً. وتخضع هذه المقترحات جميعها لمفاوضات جارية في الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون بهامش ضيق.
سياسات أخرى.. من الهجرة إلى العملات الرقمية وتيك توك
تتضمن أجندة ترامب الاقتصادية أيضاً قضايا تتجاوز الرسوم والضرائب، لتشمل سياسات الهجرة، حيث اقترح منح “بطاقة ذهبية” بقيمة 5 ملايين دولار كمسار للحصول على الجنسية، بينما تشهد المعابر غير الشرعية على الحدود الجنوبية انخفاضاً تاريخياً وتواجه جهود الترحيل تحديات قانونية. وفي مجال العملات الرقمية، وقّع ترامب أمراً تنفيذياً لإنشاء احتياطي استراتيجي من البيتكوين وأصول رقمية أخرى من المصادرات. وبشأن السيارات الكهربائية، اتخذت إدارته خطوات للتراجع عن اللوائح التي تعزز استخدامها، مع توقع إلغاء الائتمان الضريبي المخصص لها. كما يواصل ترامب موقفه الرافض لتنفيذ قانون حظر منصة تيك توك.
اقتصاد ترامب بعد 100 يوم .. الرسوم الجمركية محور الاستراتيجية وإعادة التصنيع
نظرة المستثمرين والشارع الأميركي
تظهر أحدث استطلاعات الرأي تراجعاً في شعبية ترامب، حيث يشير متوسط استطلاعات «ريل كلير بوليتيكس». إلى أن نسبة عدم الموافقة على أدائه تجاوزت نسبة التأييد. وتربط سارة بيانكي هذا التراجع جزئياً بتوقعات الناخبين بأن ترامب سيخفض التضخم ويحسن الأوضاع الاقتصادية. وهي آمال بدأت تتبدد مع تطبيق الرسوم الجمركية التي لم يكن الكثيرون يعتقدون أنه جاد في فرضها بهذا الشكل.
وبينما يقترب ترامب من إكمال يومه المئة في ولايته الثانية، يتبين أن سياساته الاقتصادية تسلك طريقاً مغايراً لتوقعات المستثمرين. وبعض الناخبين، فالرسوم الجمركية التي كان يُفترض أن تكون أداة تفاوضية أصبحت سياسة ثابتة. والسياسات الضريبية لا تزال في طور الانتظار، في حين يواجه الاقتصاد ضغوطاً تضخمية متزايدة. مما يضع رؤيته الاقتصادية تحت المجهر مع استمرار تطورات الشهور القادمة.