تُعد التوسعة السعودية الثالثة للحرم المكي الشريف الأضخم في تاريخ المسجد الحرام، ليس فقط من حيث المساحة والتكلفة، بل أيضًا من حيث التقنيات المستخدمة. انطلقت هذه التوسعة بأمر من الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز عام 2010، واستمرت مراحلها خلال عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز منذ عام 2015 حتى أصبحت معلمًا حضاريًا فريدًا يعكس الاهتمام بخدمة ضيوف الرحمن.
شهد المسجد الحرام العديد من التوسعات عبر العصور، لكن التوسعات السعودية منذ عهد الملك عبد العزيز آل سعود تميزت بالشمول والدقة. بدءًا من التوسعة الأولى عام 1955، مرورًا بالتوسعة الثانية في عهد الملك فهد بن عبد العزيز، وصولًا إلى التوسعة الثالثة، وهي الأكبر، والتي بدأت فعليًا في عام 2011م (1432هـ) ضمن رؤية استراتيجية تهدف إلى استيعاب الأعداد المتزايدة من الحجاج والمعتمرين.
أرقام قياسية ومرافق حديثة: حجم التوسعة وتأثيرها
تبلغ مساحة المسطحات في التوسعة الثالثة 1.47 مليون متر مربع، بطاقة استيعابية تصل إلى 1.85 مليون مصلٍ في وقت واحد. وقد شهد المسعى توسعة كبيرة حيث بلغت مساحته 57 ألف متر مربع، وارتفعت طاقته الاستيعابية إلى 70 ألف مصلٍ، بينما كان يستوعب سابقًا 44 ألفًا فقط. ونتيجة لذلك، ارتفعت القدرة الاستيعابية للمسعى إلى ما يقارب 118 ألف شخص في الساعة بعد التوسعة.
شملت هذه التوسعة الضخمة استخدام كميات هائلة من المواد، بما في ذلك 13.1 مليون قطعة صخور، و3 ملايين متر مكعب من الخرسانة، و800 ألف طن من الحديد المسلح، و1.2 مليون متر مربع من الرخام، و38 ألف قطعة من الحجر الصناعي. كما تضمنت التوسعة إضافة 4 منارات جديدة و3 أبواب رئيسية يزن كل منها 18 طنًا وتعمل بتحكم عن بعد. وقد تطلب المشروع إزالة 5882 عقارًا مع تعويض أصحابها بالكامل.
الأضخم فى تاريخ المسجد الحرام بسعة تسع مليون مصلٍٍ تعرف على ثالث توسعة للحرم
مكونات التوسعة: تحسين شامل لتجربة الزوار
توسعة مبنى الحرم من الجهة الشمالية: تضمنت التوسعة إضافة مبنى جديد كامل شمال الحرم، يمتد على أكثر من 400 ألف متر مربع. يتكون هذا المبنى من عدة أدوار للصلاة مجهزة بأحدث أنظمة التكييف والإنارة والصوتيات، وبقدرة استيعابية تفوق 300 ألف مصلٍ.
ساحات الحرم الشمالية: شهدت الساحات الخارجية للصلاة توسعًا كبيرًا بقدرة استيعابية إضافية تصل إلى 250 ألف مصلٍ. وتضمنت هذه الساحات ممرات ومناطق مظللة ومرافق خدمية متكاملة مثل دورات المياه والمراكز الطبية.
مشروع الخدمات والبنية التحتية: شمل هذا المشروع إنشاء أنفاق للمشاة لتسهيل الوصول إلى الحرم من مختلف الاتجاهات، وبناء محطات تبريد ومرافق للطاقة الكهربائية، وخزانات مياه، وأنظمة مراقبة أمنية متقدمة وكاميرات ذكية.
توسعة المطاف: تم إزالة العديد من الحواجز والممرات القديمة لتوسيع الصحن، وإنشاء طابقين إضافيين للطواف مع مراعاة احتياجات ذوي الاحتياجات الخاصة.
تقنيات متطورة وتكلفة عالمية: استثمار في المستقبل
استخدمت السلطات السعودية أحدث تقنيات البناء والذكاء الاصطناعي في التحكم بإدارة الحشود وأنظمة تهوية وتكييف مركزية بطول 1.2 كيلومتر تحت الأرض. كما تم رفع جودة مواد البناء لتتحمل كثافة الاستخدام والحرارة العالية. وقد تم تصميم المآذن والأقواس لتتوافق مع النمط المعماري الحجازي التقليدي، مع لمسة معمارية عصرية.
تُعد التوسعة الثالثة من أغلى مشاريع البنية التحتية الدينية في العالم، حيث بلغت تكلفتها الإجمالية أكثر من 100 مليار ريال سعودي، وما يعادل 27 مليار دولار تقريبًا. وشملت هذه الميزانية أعمال الإنشاء، والتعويضات، وتطوير البنية التحتية والمرافق المحيطة.
ساهمت التوسعة الثالثة بشكل كبير في تحسين تجربة الحجاج والمعتمرين، وزيادة مستويات الراحة والسلامة، وقللت من التكدس والاختناقات في أوقات الذروة، لا سيما في موسم الحج ورمضان. هذا المشروع الضخم يؤكد التزام المملكة العربية السعودية بتقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن، ويعكس رؤيتها المستقبلية لاستيعاب أعداد متزايدة من الزوار.