صدق الرئيس عبد الفتاح السيسي رسميًا على القانون الجديد للإيجارات، والذي أقره مجلس النواب في دور انعقاده الحالي. ويهدف القانون إلى معالجة التشوهات التاريخية في العلاقة بين المالك والمستأجر.
خاصة في العقارات غير السكنية المؤجرة للأشخاص الاعتبارية (مثل الشركات والمؤسسات).
القانون يمنح فترة انتقالية مدتها خمس سنوات تبدأ من تاريخ العمل به، وتزاد خلالها القيمة الإيجارية بنسبة 15% سنويًا، تمهيدًا للوصول إلى الإخلاء الكامل أو إعادة التعاقد بما يتوافق مع السوق.
بما يحترم أحكام المحكمة الدستورية العليا التي قضت بعدم دستورية مد الإيجار للأشخاص الاعتبارية لأغراض غير سكنية.
خلفية تشريعية: كيف تطورت قوانين الإيجار في مصر؟
منذ مطلع القرن العشرين وحتى اليوم، شهدت مصر عدة مراحل تشريعية شكلت طبيعة العلاقة بين المالك والمستأجر:
المرحلة الأولى: التنظيم الاجتماعي في ظل الدولة الاشتراكية
خلال أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، صدر عدد من القوانين التي هدفت إلى حماية المستأجرين من ارتفاع الأسعار عقب الحرب العالمية الثانية، أبرزها قانون 121 لسنة 1947.
والذي فرض قيودًا على حرية التعاقد وثبّت القيمة الإيجارية عند حدود معينة، مع تبني الدولة لنهج اشتراكي بعد ثورة 1952، تم تثبيت الإيجارات بشكل شبه دائم.
ومنع الملاك من تعديلها أو إنهاء التعاقد، ما أدّى إلى ما يُعرف بقانون الإيجار القديم.
المرحلة الثانية: التجميد الطويل للأوضاع
ظلت العلاقة الإيجارية مجمدة لعقود بموجب القوانين الاستثنائية، واستمر عقد الإيجار في الانتقال عبر الأجيال دون حد زمني. تسبب هذا في تراجع القيمة الاقتصادية للعقارات.
وعزوف المستثمرين عن البناء للإيجار، ما ألقى بظلاله على أزمة السكن المتفاقمة في مصر.
المرحلة الثالثة: بداية التحرير الجزئي
في التسعينيات، صدر القانون رقم 4 لسنة 1996، المعروف باسم “قانون الإيجار الجديد”، الذي طبق على العقود الجديدة فقط.
وأعاد التوازن عبر الاتفاق بين الطرفين على مدة الإيجار وقيمته. لكنّه لم يشمل العقود القديمة، مما أبقى المشكلة قائمة.
المرحلة الرابعة: الإصلاح الدستوري والتشريعي
مع صدور حكم المحكمة الدستورية في عام 2018 بعدم دستورية مد عقود الإيجار للأشخاص الاعتبارية غير السكنية، بدأ التحرك التشريعي لإعادة النظر في تلك العلاقة، وهو ما توج بإقرار القانون الحالي.
التأثير المجتمعي: توازن مطلوب وعدالة متدرجة
يمثل القانون خطوة على طريق تحقيق العدالة الاجتماعية، عبر الحفاظ على حقوق الملاك في استغلال ممتلكاتهم بما يتماشى مع قيمتها السوقية، دون الإضرار المفاجئ بالمستأجرين.
فمن ناحية، يعالج القانون أوضاع شركات ومؤسسات كانت تدفع إيجارات رمزية، ومن ناحية أخرى، يمنح فترة انتقالية عادلة تسمح بترتيب الأوضاع المالية والقانونية.
من المتوقع أن يسهم هذا التعديل في تنشيط سوق الإيجار غير السكني، وجذب استثمارات جديدة للقطاع العقاري، مع إعادة إحياء بعض العقارات المتوقفة عن النشاط بسبب انخفاض العائد.
الرسالة الأساسية: قانون بمثابة “ميزان ذهبي” بين الحقوق والمصالح
جاء القانون الجديد ليعيد تشكيل العلاقة بين المالك والمستأجر بما يتناسب مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة، دون مساس بحقوق أي من الطرفين. وقد روعي فيه الاعتبارات الإنسانية والاقتصادية، ما يجعله خطوة تشريعية جريئة على طريق العدالة والتوازن في المجتمع المصري.