يتعرض نحو 72% من أطفال العالم لتهديد سيبراني واحد على الأقل، وفقًا لمؤسسة منتدى الأمن السيبراني. وتشمل هذه التهديدات الهجمات الخبيثة، والتنمر الرقمي، والاعتداءات، فضلًا عن تحديات الذكاء الاصطناعي والمخاطر العابرة للحدود. في ظل ذلك، بادرت السعودية إلى صياغة إطار وطني لحماية الأطفال من هذه التهديدات، سعيًا إلى تحصينهم من أخطار الفضاء الرقمي المتزايدة.
مبادرة سعودية في قلب التحول الرقمي
في أكتوبر 2024، أطلق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مبادرة نوعية لحماية الطفل في الفضاء السيبراني. وتندرج هذه المبادرة ضمن رؤية المملكة 2030، لتكون انطلاقة منهجية متصاعدة، تحقق التوازن بين التحول الرقمي والاستجابة العالمية. وتقوم على تطوير إطار وقائي يحفظ سلامة النشء في العصر الرقمي.
قرار دولي بالإجماع يدعم مبادرة الأمن السيبراني
مؤخرًا، اعتمد مجلس حقوق الإنسان في جنيف القرار الذي قدمته السعودية، بالإجماع، لحماية الأطفال رقميًا. هذا القرار يعد تتويجًا لمبادرة ولي العهد، ويؤكد القبول الدولي الواسع لها. كما يفتح الطريق نحو تأسيس إطار عالمي شامل يمكن الدول من بناء سياسات وتشريعات تحمي الأطفال إلكترونيًا. ويدعم كذلك جهود تعزيز الوعي الأسري والتربوي بالاستخدام الآمن للإنترنت.
أرقام صادمة وتحذيرات متزايدة
أحدث تقرير لمؤسسة مراقبة الإنترنت كشف عن ازدياد كبير في عدد البلاغات بشأن محتوى مسيء للأطفال على الإنترنت. إذ ارتفعت البلاغات من 335 ألفًا في عام 2016 إلى أكثر من 375 ألفًا في آخر رصد أُجري عام 2022. هذه الأرقام تؤكد خطورة الواقع الرقمي، خاصة في ظل تنامي استخدام الأطفال للإنترنت من أعمار أصغر عامًا بعد عام.
السعودية تمسك بأوراق المستقبل
ضمن هذا السياق، تؤكد السعودية عبر تحركاتها السيبرانية أنها تمسك بأوراق المستقبل. ويأتي في مقدمتها حماية الأجيال الناشئة رقميًا، باعتبارهم محورًا لأي تنمية مستدامة. وتشير إحصاءات حكومية نشرتها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية إلى أن الأطفال والمراهقين يشكلون نحو ثلث مستخدمي الإنترنت في السعودية، مما يعزز أهمية التحرك لحمايتهم.
قبول عالمي ورؤية إنسانية
السفير عبدالمحسن بن خثيلة، المندوب الدائم للمملكة لدى الأمم المتحدة، أكد في تصريحات لـ”العربية.نت” أن القبول الدولي الواسع يترجم قناعة عميقة بأهمية المبادرة السعودية. وأضاف أن المملكة لا تسعى فقط إلى تمرير قرار دولي، بل تلتزم بدعم الجهود العالمية لبناء بيئات رقمية أكثر أمانًا. وذلك من خلال تعزيز التعاون، وتبادل أفضل الممارسات، وتطوير الأطر التشريعية ذات الصلة.
وعي سعودي بمخاطر العالم الرقمي
يتفق المختص التقني السعودي تركي المحمود مع هذه الرؤية. وقال في حديثه لـ”العربية.نت” إن دعم العالم للمبادرة يعكس وعيًا سعوديًا متقدمًا بحجم التحديات الرقمية التي يواجهها الأطفال. وأشار إلى أن المملكة تتعامل مع العصر الرقمي بشمولية ومسؤولية، ولا تنظر إليه من زاوية تقنية فقط، بل من منظور أخلاقي وإنساني أيضًا.

الأمن السيبراني
الفضاء الرقمي: امتداد لحياة الطفل
يرى المحمود أن البيئة الرقمية تختلف عن البيئات التقليدية، مثل المنزل والمدرسة والشارع. فالفضاء الإلكتروني أصبح امتدادًا يوميًا لحياة الأطفال، يحمل في طياته فرصًا ومخاطر معًا. لذلك، فإن التحرك السعودي يأتي استباقيًا وليس رد فعل، لضمان سلامة الأطفال في عالم لا حدود له.
فرص رقمية.. وتحديات أخلاقية
يشدد المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة على أن الفضاء الرقمي يمنح الأطفال فرصًا غير مسبوقة للتعلم والتواصل. لكنه يضيف أن هذه الفرص تصحبها تحديات متنامية، تتطلب استجابة جماعية حقيقية. لذلك، لا بد من تعاون دولي يواكب التطورات المتسارعة، ويؤسس لبيئة آمنة تحفظ حقوق الطفل ومصالحه.
نحو ريادة عالمية في حماية الطفل
يرى عبدالمحسن بن خثيلة أن القرار يعزز مكانة المملكة كدولة رائدة عالميًا في مجال حماية الطفل. ويعكس التزامًا إنسانيًا وموقفًا مسؤولًا تجاه مستقبل الأجيال. كما يؤكد أن المبادرة ليست سعودية فقط، بل تمثل بوابة لتعاون دولي يستند إلى تبادل الخبرات، والتفاهم المشترك حول أهمية بناء فضاء رقمي آمن وعادل للأطفال في كل أنحاء العالم.

الأمن السيبراني
شراكات أخلاقية وعيون على المستقبل
يختم تركي المحمود حديثه بالإشارة إلى أن القرار الأممي يرسخ شراكات قانونية وأخلاقية. تتيح للدول تطوير سياساتها الرقمية، وتقديم برامج توعوية، ومساعدة فنية فعالة. وأضاف أن المملكة تمضي بخطى ثابتة نحو صناعة “إنسان المستقبل”، عبر رؤية 2030، التي تنظر للأطفال بوصفهم الأساس لكل تحول قادم، في مجتمع لا يكتفي بالتقنية بل يحرس القيم.