لم تعد المؤتمرات العلمية مجرد منصات لمناقشة الأبحاث أو عرض أوراق أكاديمية، بل أصبحت صناعة حقيقية لها وزن اقتصادي واضح. هذه الفعاليات باتت تساهم في تحريك عجلة النمو العالمي، عبر ما تخلقه من فرص للتعاون والشراكات، وما تتيحه من نقل للمعرفة بين المؤسسات والأفراد. وفقاً لما ذكرته “العربية”.
من قاعات النقاش إلى أرقام الاقتصاد
تقرير صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في 2023 أشار إلى أن الابتكار الناتج عن المؤتمرات يضيف نحو 2.2% إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي سنوياً. هذا التأثير يتجاوز الجوانب النظرية ليتحول إلى أرقام ملموسة على الأرض. ففي الولايات المتحدة، سجلت صناعة المؤتمرات والفعاليات إنفاقاً ضخماً قدر بمئات المليارات خلال العقد الأخير. مع توقعات بأن يواصل السوق نموه ليصل إلى عشرات المليارات خلال العقد المقبل.
محرك للنشاط المحلي
تأثير هذه المؤتمرات ينعكس مباشرة على الاقتصادات المحلية. من الحجوزات الفندقية إلى النقل والمطاعم. تخلق الفعاليات دورة اقتصادية متكاملة. دراسة أمريكية أوضحت أن كل مؤتمر كبير يمكن أن يعيد 150% من تكلفته في صورة عوائد اقتصادية. بفضل الشراكات الجديدة والمشاريع التي ترى النور لاحقاً. وفي بريطانيا، ضخت فعاليات 2016 ما يقارب 20 مليار جنيه إسترليني في الاقتصاد المحلي.
آسيا وأوروبا.. سباق على الريادة
منطقة آسيا والمحيط الهادئ شهدت طفرة في هذا القطاع، حيث تجاوزت قيمة سوق المؤتمرات والمعارض 400 مليار دولار في 2023، ومن المتوقع أن يتضاعف بحلول 2034. أما في أوروبا، فقد أظهرت دراسات في ألمانيا أن واحداً من كل أربعة باحثين مشاركين في المؤتمرات أسس تعاونات بحثية تحولت إلى مشاريع تجارية بملايين اليوروهات سنوياً.
جسور للابتكار والتوظيف
دور المؤتمرات لا يتوقف عند حدود الاقتصاد المباشر. فهي تمثل جسوراً للابتكار. وتفتح فرصاً للباحثين والشركات الناشئة. تقرير الجمعية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة لعام 2023 كشف أن البرامج المرتبطة بالمؤتمرات العلمية أسهمت في خلق أكثر من 100 ألف وظيفة جديدة. خصوصاً في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية.
أبعاد اجتماعية وبيئية
المؤتمرات أيضاً تعزز التنوع والانفتاح. أبحاث نشرت في مجلة Nature Human Behaviors أكدت أن هذه الفعاليات تزيد نسبة مشاركة الباحثين من خلفيات متنوعة بنسبة 25% مقارنة باللقاءات التقليدية. كما تساهم في أهداف الاستدامة، حيث تساعد الابتكارات الناتجة عنها في مجالات الطاقة والزراعة على خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة قد تصل إلى 20% بحلول 2030.
تحديات وحاجة للتطوير
رغم هذه المكاسب، لا يزال قياس العائد بدقة يمثل تحدياً أمام المنظمين. تقارير حديثة أظهرت أن أكثر من ثلث المنظمين يواجهون صعوبة في تحديد الأثر المالي المباشر، وهو ما يتطلب أدوات جديدة للقياس تأخذ في الاعتبار البعد الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
صناعة المستقبل
في النهاية، تؤكد المؤتمرات العلمية أنها استثمار استراتيجي يتجاوز مجرد لقاءات أكاديمية. إنها صناعة متنامية تحقق مليارات الدولارات وتخلق فرصاً جديدة. بينما تفتح المجال أمام ابتكارات قد تغير شكل الاقتصاد العالمي في العقود المقبلة.