منذ بداية عام 2025، شهد الذهب ارتفاعاً يقارب 30%، مدعومًا بطلب قوي من البنوك المركزية. وإقبال المستثمرين عليه كملاذ آمن في مواجهة التقلبات الاقتصادية والجيوسياسية. ليسجل مستويات قياسية متتالية، كان أبرزها في أبريل الماضي عندما تجاوز حاجز 3500 دولار للأونصة، قبل أن تتراجع الأسعار قليلاً لاحقاً.
توقعات متباينة
إلا أن تقريرًا حديثًا صادر عن سيتي غروب رسم صورة مغايرة لتوقعات أسعار الذهب. متوقعًا تراجعها إلى ما دون 3000 دولار للأونصة مع نهاية عام 2025 أو مطلع 2026. نتيجة لانخفاض الطلب الاستثماري وتحسن آفاق النمو الاقتصادي العالمي. وتوقعت المجموعة أن تتراوح أسعار الذهب بين 2500 و2700 دولار خلال النصف الثاني من عام 2026.
لكن هذه التوقعات تتناقض مع تقديرات مجلس الذهب العالمي. الذي أشار في تقرير صدر في يونيو الجاري، حصلت CNN الاقتصادية على نسخة منه إلى استمرار النظرة الإيجابية تجاه الذهب من قبل البنوك المركزية. التي راكمت أكثر من ألف طن سنوياً خلال السنوات الثلاث الماضية. وأكد التقرير أن احتياطيات الذهب لدى هذه البنوك مرشحة للارتفاع خلال الأشهر 12 المقبلة.
وبدوره، يتفق بنك جي بي مورجان مع هذا التوجه. حيث أشار في مذكرة بحثية إلى أن مشتريات البنوك المركزية ستبقى قوية، وقد تسجل نحو 900 طن خلال عام 2025. مع استمرار هذا النهج في 2026 بهدف تنويع الاحتياطيات.
وأكد المحلل الاقتصادي والرئيس التنفيذي لشركة Neovision. ريان ليمند، أن التوجه الصعودي للذهب ما زال قائمًا. مع إمكانية حدوث فترات من جني الأرباح، وذلك في ظل ثبات العوامل التي قادت الأسعار للارتفاع. وأضاف أن البنوك المركزية، خصوصًا في آسيا ودول مجموعة بريكس. ستواصل شراء الذهب كجزء من استراتيجيتها لتقليل الاعتماد على الدولار الأميركي.
مخاوف بشأن الدولار والديون الأميركية
ووفق بيانات صندوق النقد الدولي حتى نهاية 2024، بلغت حيازات البنوك المركزية من الذهب نحو 36,200 طن. ما يمثل نحو 20% من إجمالي الاحتياطيات الرسمية العالمية. مقارنة بـ15% في نهاية عام 2023. ويأتي هذا في ظل تسارع وتيرة الابتعاد عن الدولار. رغم أنه ما زال يشكل نحو 57.8% من الاحتياطيات العالمية.
صاعد الديون السيادية الأميركية
وأشار ليمند إلى أن تصاعد الديون السيادية الأميركية والعجز التجاري المتزايد يزيد من قلق البنوك المركزية تجاه وضع الدولار. ولفت إلى أن الأصول الأميركية التي كانت تعتبر آمنة، كالسندات. لم تعد خالية من المخاطر، خصوصاً بعد أن خفّضت وكالة موديز التصنيف الائتماني للولايات المتحدة من AAA إلى Aa1 في مايو الماضي. لتنضم إلى وكالتي ستاندرد آند بورز، وفيتش، اللتين خفضتا تصنيفهما في 2011 و2023 على التوالي.
ووفق ليمند، فإن غياب خطة اقتصادية واضحة من جانب الحكومة الأميركية لاحتواء تصاعد الديون والعجز التجاري يزيد من المخاوف. مشيرًا إلى مشروع قانون إنفاق جديد قد يضيف نحو 2.5 تريليون دولار خلال السنوات العشر المقبلة.
تذبذب الأسعار على وقع الأحداث
في الوقت نفسه، تراجعت أسعار الذهب إلى أدنى مستوياتها في أسبوعين اليوم الثلاثاء. مع تحسن شهية المخاطرة بعد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل. ليسجل الذهب في المعاملات الفورية نحو 3327 دولارًا.
ويستند سيتي غروب في توقعاته إلى احتمالات تسوية النزاعات التجارية وتراجع المخاطر الجيوسياسية. إلى جانب تجنب الاقتصاد الأميركي للركود الحاد. لكنه في سيناريو بديل، يتوقع استقرار الأسعار بين 3100 و3500 دولار للأونصة خلال الربع الثالث من عام 2025، بدعم من استمرار التوترات الجيوسياسية. والقلق بشأن الميزانية الأميركية، والتغيرات المحتملة في السياسات الجمركية.
اتجاهات تاريخية تدعم احتمالات التراجع
تشير البيانات التاريخية لمجلس الذهب العالمي إلى أن فترات ارتفاع أسعار الذهب بسبب الأزمات عادة ما تتبعها فترات استقرار أو تراجع. فبعد الأزمة المالية العالمية عام 2008، قفزت الأسعار إلى أكثر من 1000 دولار. وبلغت ذروتها عند 1895 دولارًا، ثم تراجعت إلى ما بين 1200 و1400 دولار على مدى سبع سنوات حتى 2020.
ومع تفشي جائحة كورونا، عادت الأسعار للارتفاع، وتجاوزت حاجز 2000 دولار في أغسطس 2020. قبل أن تهبط وتستقر دون هذا المستوى حتى اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 2023.
أما في عام 2025، فقد سجل الذهب قفزات تاريخية جديدة وسط غياب اليقين الناتج عن السياسات الاقتصادية والتجارية للرئيس الأميركي دونالد ترامب. وتزايد التوترات في الشرق الأوسط، ما دفع بعض المؤسسات، ومنها جي بي مورجان، لتوقع ارتفاع الأسعار إلى حدود 4000 دولار.
وفي مذكرة حديثة، قال جريجوري شيرر، رئيس استراتيجية المعادن في جي بي مورجان: لا تزال المخاطر تميل نحو كسر توقعاتنا في حال استمر الطلب القوي. ونرى أن الذهب يظل أداة فعالة للتحوط ضد مزيج معقد من مخاطر الركود التضخمي، والانكماش الاقتصادي، وضعف العملات، والضبابية السياسية في الولايات المتحدة خلال عامي 2025 و2026.
في المقابل، ترى سيتي غروب أن الطلب الاستثماري سيضعف تدريجياً بنهاية 2025 ومع دخول عام 2026، مع تحسن أداء الاقتصاد الأميركي. وعودة تركيز الإدارة على استقرار شعبية الرئيس ترامب قبيل انتخابات التجديد النصفي.