في إطار التحول الثقافي الكبير الذي تشهده المملكة العربية السعودية ضمن مستهدفات رؤية 2030. خطت وزارة الثقافة خطوة جديدة وجريئة عبر هيئة المكتبات بإطلاق مبادرة “بيوت الثقافة”. هذه المبادرة لا تكتفي بإعادة تعريف دور المكتبة التقليدية. بل تنقلها إلى مستوى جديد تمامًا، حيث تصبح فضاءً نابضًا بالحياة يجمع بين المعرفة والفنون والتقنية تحت سقف واحد. الهدف واضح وطموح: إنشاء 153 بيتًا ثقافيًا في مختلف مناطق المملكة، واستقطاب مليون زائر سنويًا. مما يجعل هذه البيوت منصات مفتوحة لكل فئات المجتمع.
دمج المعرفة بالفنون والابتكار
تقوم فكرة بيوت الثقافة على دمج القراءة بالأنشطة الإبداعية والفنية. مع تقديم بيئة تفاعلية جاذبة للكبار والصغار على حد سواء. فهي تضم مكتبات مخصصة للبالغين واليافعين والأطفال، إضافة إلى معامل تقنية متطورة. ومسارح، وقاعات اجتماعات، ومساحات عمل مشتركة، ومقاهٍ ومتاجر، فضلًا عن الساحات الخارجية المجهزة للفعاليات والمعارض. هذا الدمج يحول المكتبة من مكان لحفظ الكتب إلى مركز نابض بالأفكار والأنشطة. حيث يمكن للزائر أن ينتقل من قراءة كتاب إلى مشاهدة عرض مسرحي أو المشاركة في ورشة ابتكار.
أول بيت ثقافي.. انطلاقة من الدمام
كانت البداية في مايو 2024، مع افتتاح أول بيت ثقافي في مكتبة الدمام العامة، على مساحة 5,400 متر مربع. بطاقة استيعابية تصل إلى 625 زائرًا في الوقت نفسه. يضم الموقع مكتبة للأطفال، ومسرحًا. ومساحة للابتكار، واستوديو تصوير، ومنطقة تقنية، وغرف اجتماعات، ومصلى، ومكتبة رئيسية، إضافة إلى مساحة عمل مشتركة ومقهى ومتجر. خلال ثمانية أشهر فقط، استقطب الموقع أكثر من 52 ألف زائر، ما يعكس الإقبال الواسع على التجربة.
انتشار المبادرة في عسير والرياض
بعد الدمام، افتُتح بيت الثقافة في أحد رفيدة بمنطقة عسير، على مساحة 3,256 متر مربع. بطاقة استيعابية تبلغ 385 شخصًا. هذا البيت يضم مكتبة رئيسية، ومكتبة للأطفال واليافعين. ومسرحين (رئيسي وآخر للأطفال)، ومختبرًا تقنيًا، وغرفًا للموسيقى والابتكار والتسجيل، وقاعات تدريب، وشرفة خارجية، ومساحة أعمال مشتركة، ومقهى، ومتجر، ومساحات خارجية للفعاليات.
أما ثالث البيوت، فجاء في واحة الملك سلمان بالرياض. على مساحة تقارب 5,000 متر مربع ضمن مشروع ضخم تبلغ مساحته الإجمالية 25,000 متر مربع. ويتميز بمكتبة للأطفال، ومساحات فنية، ومعمل تقني. ومناطق متعددة الاستخدام، ومسرح مفتوح، ومناطق جلوس خارجية، إلى جانب المقهى والمتاجر الثقافية.
نظمت بيوت الثقافة أكثر من 93 فعالية
منذ انطلاقها، نظمت بيوت الثقافة أكثر من 93 فعالية حضرها أكثر من 31 ألف زائر. كما قدمت 1,703 برامج وأنشطة متنوعة استفاد منها أكثر من 63 ألف شخص، شملت ورش عمل، وأمسيات شعرية، وعروضًا مسرحية. وندوات فكرية، ومعارض تشكيلية، وبرامج لتعليم صناعة الأفلام، ودعم المواهب الموسيقية. هذا التنوع جعل من بيوت الثقافة وجهة أساسية لعشاق الفنون والموسيقى والابتكار، وليس فقط للقرّاء والباحثين.
أرقام تعكس النجاح
حققت المبادرة نموًا قياسيًا في عدد الزوار، حيث سجلت مواقع الدمام وأحد رفيدة أكثر من 98 ألف زائر خلال 8 أشهر. مقارنة بـ50,500 زائر للمكتبات التقليدية في السابق. كما انخفضت تكلفة الزائر من 2,297 ريالًا إلى 209 ريالات فقط، ما يعكس كفاءة تشغيلية أكبر، وفائدة مجتمعية أوسع.
جوائز وتقدير عالمي
حصدت بيوت الثقافة إشادات محلية ودولية، وفازت بـالجائزة البرونزية لأفضل تجربة تعليمية في “جائزة تجربة العميل السعودية 2025”، إضافة إلى جائزة The Best Brand Award عن هويتها البصرية، وجائزة Red Dot العالمية في التصميم.
نحو مستقبل ثقافي أكثر حيوية
يمثل “بيت الثقافة” نموذجًا ملهمًا للمكتبة الحديثة، التي لا تقتصر على الكتب، بل تحتضن الفنون والتقنية والإبداع في بيئة واحدة. هذه التجربة تواكب طموحات الحاضر، وتستشرف المستقبل، وتدعم مكانة المملكة كمركز ثقافي إقليمي وعالمي، لتجعل الثقافة جزءًا أصيلًا من الحياة اليومية.