يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إعادة رسم خريطة قطاع التكنولوجيا العالمي من خلال فرض تعريفات جمركية على واردات أشباه الموصلات، وخاصة تلك القادمة من تايوان والصين، في محاولة لإعادة تشكيل واحدة من أهم الصناعات الاستراتيجية.
وتأتي هذه الخطوة الجريئة في إطار سعي إدارة ترامب لتقليل الاعتماد على الخارج في سلسلة الإمدادات الحيوية وتعزيز التصنيع المحلي، خاصة في قطاع أشباه الموصلات الذي يشهد منافسة عالمية شرسة.
الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على الرقائق المستوردة
تكشف الأرقام الرسمية عن حجم اعتماد الولايات المتحدة على الرقائق والمكونات الإلكترونية المستوردة، حيث بلغت قيمتها 139 مليار دولار في عام 2024. وتتصدر تايوان قائمة المصدرين بنسبة 27% من هذه الواردات الحيوية. وقد شهدت قيمة شحنات الرقائق والإلكترونيات القادمة من تايوان إلى الولايات المتحدة نموًا هائلاً، حيث قفزت من 9.4 مليار دولار في عام 2019 إلى 36.9 مليار دولار في عام 2024. وفي المقابل، صدرت الولايات المتحدة ما قيمته 70 مليار دولار من هذه المنتجات إلى مختلف أنحاء العالم في العام الماضي.
أهداف ترامب من فرض الرسوم الجمركية
تهدف سياسة ترامب الجديدة إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية. أولاً، تعزيز الضغط الاقتصادي على المنافسين، وعلى رأسهم الصين التي تعتمد بدورها على بيع هذه الرقائق لشركات أمريكية. ثانياً، تحفيز التصنيع المحلي وتقليل الاعتماد على الخارج، وهو ما تجسد في قانون CHIPS الصادر عام 2022 الذي خصص 53 مليار دولار لدعم إنتاج الرقائق داخل الولايات المتحدة، والذي من المتوقع أن يضاعف القدرة التصنيعية الأمريكية بحلول عام 2032.
ويشير خبراء مثل ماركوس بيترسون إلى أن رفع تكلفة الرقائق المستوردة سيمنح الشركات الأميركية مثل Intel وQualcomm ميزة تنافسية في السوق المحلية، حيث ستتاح لها فرصة الاستحواذ على حصة أكبر من السوق مع تزايد تكاليف الإنتاج لدى المنافسين الآسيويين.
كما يسعى ترامب من خلال هذه الرسوم إلى إعادة رسم خريطة سلاسل التوريد العالمية، وإجبار الشركات على إعادة توطين مصانعها داخل الولايات المتحدة أو نقلها إلى دول حليفة، مما يدعم هدفه بإعادة الوظائف إلى الداخل. ولا تقتصر هذه السياسة على الخصوم، بل تمتد لتشمل الحلفاء مثل اليابان ودول الاتحاد الأوروبي، بهدف دفعهم لتوسيع استثماراتهم في هذا القطاع وتعزيز التعاون في مجالات البحث والابتكار.

ترامب يستهدف قلب التكنولوجيا العالمية بتعريفات جمركية جديدة على أشباه الموصلات
تحديات وتداعيات محتملة
على الرغم من الأهداف الطموحة، فإن فرض تعريفات جمركية على الرقائق المستوردة يحمل في طياته تحديات وتداعيات محتملة. فقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج في الصناعات الأمريكية التي تعتمد على هذه الرقائق. مثل الإلكترونيات والسيارات، وهو ما قد ينعكس سلبًا على المستهلك الأميركي. كما أن نمو الإنتاج المحلي قد يستغرق وقتًا ليواكب حجم الاعتماد الحالي على الواردات، خاصة من تايوان.
وفي المقابل، من المتوقع أن تثير هذه الإجراءات ردود فعل من الصين، حيث أعلنت بكين بالفعل عن رفع الرسوم على وارداتها من الرقائق الأمريكية بنسبة قد تصل إلى 125%، مع استثناء الشركات الأمريكية التي تصنع رقائقها في تايوان، مثل AMD وQualcomm، مما قد يزيد من تعقيد المشهد التجاري العالمي.
بينما تحمل سياسات ترامب الجمركية تجاه سوق أشباه الموصلات أبعادًا اقتصادية واستراتيجية وسياسية. فهي تمثل محاولة شاملة لتعزيز الإنتاج المحلي. وممارسة الضغط على الصين، وتحقيق مكاسب سياسية داخلية. ومع ذلك، فإنها تنطوي أيضًا على مخاطر اقتصادية وتجارية كبيرة. وبين المكاسب والخسائر المحتملة، يظل الهدف الأبرز للرئيس ترامب هو إعادة تشكيل مستقبل التكنولوجيا العالمية من منظور “أميركا أولاً”.