في عالم تنظيم الحفلات، حيث تتداخل الفخامة مع أدق التفاصيل، يبرز اسم محمد عبدالخالق كواحد من أبرز المبدعين على الساحة العالمية. لم تكن مسيرته عادية، فمنذ فترة قصيرة تم ترشيحه ضمن أفضل 100 منظم حفلات على مستوى العالم. “Nightly News عربية” أجرت حواراً خاصاً مع هذا المصمم والمنظم البارز للحفلات، والذي ينشط في مصر والسعودية، ليكشف لنا أسرار عالم الأفراح، والتحديات التي واجهها، وفلسفته الفريدة التي جعلت منه أيقونة في مجاله.
محمد عبدالخالق: فروقات جوهرية بين الأفراح السعودية والمصرية
يرى محمد عبدالخالق أن هناك فروقاً جوهرية وكبيرة جداً بين طبيعة الأفراح في السعودية ومصر، نابعة من الاختلافات الثقافية والاجتماعية. يوضح عبدالخالق أن الأفراح في السعودية تعتمد بالأساس على مبدأ الفصل التام بين الرجال والنساء، وهو شرط إلزامي. كما أن الديكور في كل فرح سعودي يجب أن يكون فريداً وغير مكرر، ويجب أن يكون “واو” لدرجة أن يتحدث عنه الجميع في البلد. ولا يقتصر الأمر على الديكور، بل يمتد ليشمل الطعام، حيث يعتبر تقديم الذبائح شرطاً إلزامياً في كل فرح، ويجب أن تكون كل التفاصيل “كما قال الكتاب”، لا مجال للعادية أو التبسيط.
في المقابل، تتميز الأفراح المصرية بكونها مختلطة عادةً، ولا يشغلها تثبيت الديكور أو تجديده في كل مناسبة. في مصر، لا يوجد ما يسمى “زفة أولى” و”زفة ثانية” أو الالتزام بدخول العروسة، أما عن دخول العروسة على “ريمكس” أغنية فكان محمد عبدالخالق أول من نفذ هذه الفكرة في مصر، وهي تفاصيل يفتخر عبد الخالق بأنه كان أول من أدخلها إلى مصر.
كما أن الرقص للعروس في السعودية يعد عيباً وممنوعاً، بينما في مصر “العروسة لازم ترقص عادي وتكون متفاعلة مع الأجواء والمعازيم”. ويشير عبد الخالق إلى نقطة خلاف ثقافي مهمة: “العيب في السعودية أن والد العروسة لا يستطيع إدخالها الفرح، برغم أن الصح أن هو يدخلها، في مصر لازم والد العروسة هو اللي يدخلها الفرح وده الصح.”

محمد عبدالخالق
العيد الذي شهد ولادة نجم
يتذكر محمد عبدالخالق اللحظة المحورية في مسيرته التي شعر فيها بأنه “على المحور” في حياته. كانت تلك اللحظة خلال عيد الفطر لعام 2024، عندما كان في السعودية. يقول: “في يوم وليلة، سبحان الله، لقيت نفسي الناس بتعرفني من الشغل بتاعي اللي أنا بنزله.” في هذا العيد، تهافتت عليه طلبات من عرسان وعرائس من أكثر من دولة (الأردن، الإمارات، السعودية، ومصر)، مما وضع عليه ضغطاً هائلاً. لدرجة أنه لم يتمكن من قبول سوى ثلاثة طلبات فقط خلال أيام العيد الثلاثة، جميعها في السعودية. يصف تلك الفترة بأنها كانت لحظة شعر فيها بأنه في مكان مختلف تماماً، وأن الناس باتت ترغب في خدماته، مما شكل نقطة تحول حاسمة في حياته المهنية.
هجوم المنافسين وحب الجمهور
لم تكن مسيرة محمد عبدالخالق مفروشة بالورود، فقد واجه في بداياته كم هجوم غير طبيعي من المحيطين به ومن المنافسين في المجال، وحتى من بعض منسقي الموسيقى (الديجيهات). هذه الانتقادات والضغوطات المبالغ فيها وصلت إلى درجة قد تجعل أي شخص في مكانه يتوقف عن استكمال مسيرته.
لكنه تغلب على هذه التحديات بفضل حب الناس لشغله. يقول: “كنت بتصور وكنت بشوف حب الناس ليا ولشغلي.” ولم تتوقف هذه الانتقادات، بل ما زالت مستمرة حتى اليوم، ويذكر عبد الخالق أن هناك من يقومون بإنشاء مجموعات لمحاولة الإيقاع به. حتى أنه كشف عن موقف مؤلم حيث اكتشف أن أحد أصدقائه المقربين أنشأ حسابًا مزيفًا لمحاربته. هذه المواقف الصعبة كانت اختباراً لقوته وثباته في المجال.
التغذية البصرية وعلم النفس
للحفاظ على الابتكار والتجديد في تصميماته، يرى محمد عبد الخالق أن التغذية البصرية هي المفتاح الأول. “أن أنا أشوف كثير وأبص كثير وأقرأ كثير وأشوف إيه الجديد والترند والحلوة عامة، والألوان اللي تليق مع بعض والألوان اللي ما تليق مع بعض.”
ولكن الأهم من ذلك كله، والذي تعلمه من منظم حفلات عالمي أعطاه كورسًا، هو أهمية القراءة عن علم النفس. يقول: “عشان أنجح في المجال ده لازم تقرأ عن علم النفس.” هذه المعرفة بعلم النفس تساعده على فهم نفسية العريس والعروسة، ومعرفة ما يعجبهم وما لا يعجبهم، وكيفية التعامل معهم بطبقة صوت وطريقة كلام تجعلهم يشعرون بالراحة والثقة في حديثه، مما يساعده على إقناعهم بأفكاره. هدفه دائماً هو أن يعمل “بدموعهم على رأسه” (بكل حرص واهتمام) لتقديم شيء مميز.
“العريس والعروسة” مفتاح نجاح أي حفل
يؤمن محمد عبدالخالق بقاعدة ذهبية: “السر الحقيقي لنجاح أي حفلة هو العريس والعروسة.” لا يمكن لأي حفل زفاف أن ينجح بدون الثقة الكاملة بينهما وبين منظم الحفل. يقول: “أنا دائماً كذا عندي قاعدة أقول العريس والعروسة يوم فرحك أو يوم فرحك يا عروسة، لازم تبقوا مطمنين ولازم تبقى عندك ثقة في الـ ‘Wedding Planner’ اللي أنت جايبه إنه يعمل لك أحسن حاجة في الدنيا.” حتى لو لم تكن الثقة موجودة بالكامل، يجب أن يمنحها العروسان لمنظم الحفل لكي يتمكن من العمل بحرية وإبداع.
ويشدد على أن السر يكمن في التفاصيل، وأن لا شيء يمكن اعتباره “تفصيلة صغيرة” أو “تفصيلة كبيرة” في الفرح، فكل شيء مهم. ولكن الهدوء والثقة التي يمنحها العريس والعروسة للمنظم هي جوهر النجاح.
إدارة الضغوطات: حلول فورية وإخفاء المشاكل
لا تخلو أي حفلة من الضغوطات والمشاكل غير المتوقعة، وهذا أمر طبيعي في عالم تنظيم الحفلات. يتحدث عبد الخالق عن قدرته على التعامل مع هذه الضغوطات بمهنية عالية. يستذكر موقفاً صعباً عندما كان الطعام في أحد الأفراح قادماً من مكان آخر، ووقعت حادثة للعربة التي تحمله. لم يكن هناك وقت لإحضار طعام بديل، فقام على الفور بالاتصال بأقرب المطاعم لتوفير أي كمية من الأكل المتاح لإنقاذ الموقف. الأهم في مثل هذه المواقف هو إخفاء المشكلة عن العريس والعروسة والمعازيم تماماً. وبعد انتهاء المناسبة، يتم إبلاغ العروسين بما حدث، وتقديم تعويض إذا لزم الأمر، فبعضهم يتقبل والبعض الآخر لا.
كما واجه ضغوطات ناجمة عن كوارث طبيعية، مثل إعصار الإسكندرية الأخير الذي أدى إلى تضرر القاعات. في هذه الحالات، يتم تركيب ديكورات سريعة أو تبديل القاعات. وحتى المشاكل الشخصية، مثل خلاف بين أخت العروسة وابن خال العريس، يتم التعامل معها بهدوء لإنقاذ الموقف. “لازم بهدوء عشان نقدر نحل أي حاجة في الدنيا.”
العطاء بدون مقابل.. شغف يخدم الوطن
لا يحب محمد عبدالخالق التحدث عن أعماله الخيرية، فهو يؤمن بأن “عمل الخير يكون بيني وبين ربنا”. ولكنه يعبر عن رغبته في مساعدة الناس بدون مقابل من خلال تقديم نصائح مجانية عبر منصات التواصل الاجتماعي. يصنع فيديوهات يكشف فيها أسرار مهنته لمساعدة الناس على تنظيم أفراحهم بأنفسهم. هذا العطاء ينبع من حبه لوطنه ورغبته في رؤية الأفراح المصرية “أحلى أفراح في الدنيا”. يقول: “أنا حد لما بشوف فرح ما بيعجبني بتضايق جداً وكأنه فرحي بالظبط.”
يشير إلى تجربته في تنظيم كتاب كتاب مطرب المهرجانات حمو الطيخا، الذي توقع الكثيرون أن يثير جدلاً سلبياً، لكنه على العكس تماماً، “طلع ترند بشكل لطيف جداً وجميل وحقق أكثر من مليار مشاهدة على كل المنصات.” هذا الإنجاز يبرز هدفه في تقديم أفراح تليق بالمصريين وتكون نموذجاً للرقي والجمال. ويؤكد أنه يقدم المساعدة بلا مقابل لمن يطلبها ويصرح بعدم قدرته المادية.
فرح لا يُنسى ..”لم شمل عائلة”
من بين كل الأفراح التي نظمها، يتذكر محمد عبد الخالق فرحاً مؤثراً بشكل خاص. قبل ثلاثة أيام من حفل الزفاف، تعرض جهاز العريس والعروسة للسرقة. وعلى الرغم من المساعدة التي قدمها الكثيرون، إلا أن المفاجأة الكبرى كانت يوم الفرح. بفضل إقناعه للعريس والعروسة بأن يحتفلا في موعدهما المحدد، فوجئ بيوم الفرح بأصدقاء العريس والعروسة يحضرون هدايا غير متوقعة، مثل الشاشات والبوتاجازات، في مشهد مؤثر وغير طبيعي يعكس جمال التكاتف. هذا الفرح كان درساً له في قوة الدعم المجتمعي.
كما يتذكر حفلًا آخر في مصر حيث كان أخوا العروسة في خلاف كبير منذ سنوات. نجح عبد الخالق في جمعهم في صورة واحدة، وتشغيل أغنية خاصة في نهاية الحفل، مما أدى إلى احتضان الأخوين لبعضهما البعض وفرحتهما. هذا الموقف جعله يشعر بأنه حقق ما لم يستطع أحد تحقيقه، وما زال الأخوان يتذكران له هذا الجميل.
نصائح للعروسين ومنظمي الحفلات
نصيحة للعريس والعروسة:
ينصح محمد عبد الخالق العروسين بالتركيز على القاعة التي توفر تنظيمًا جيدًا وتوفر الراحة النفسية، بدلاً من البحث عن الديكورات المبهرة والتكلفة العالية. “ممكن تعمل فرح بأقل من ثلاث أرباع تكلفة فرح ثاني ويطلع أحلى من الفرح الثاني عشان الناس اللي في القاعة دي أو في المكان ده مهنيين والمنظمين مهنيين.”
نصائح للعروس السعودية تحديداً
- وصيفة العروسة: يجب أن تكون معها وصيفة شاطرة (صديقة مساعدة).
- الديكور: ليس الشرط الأساسي لإبهار الناس، بل الهدف هو أن يستمتع الجميع.
- الاستعداد النفسي والجسدي: ممارسة اليوجا، العناية بالبشرة، النوم الجيد، والتغذية الصحية الغنية بالبروتين.
- التخطيط المسبق: مع منظم الحفلات أو وظيفة العروسة.
- توزيع المهام: على الأصدقاء والعائلة.
- تجنب المقارنة: “اوعي تقارني زفافك بزفاف حد من الأسرة.”
- التعامل مع المفاجآت: بهدوء وتفكير في الحلول.
- الواقعية: “كوني واقعية واستمتعي بكل لحظة أنت فيها.”
مهارات منظم الحفلات الناجح
يعدد عبد الخالق المهارات الأساسية لمنظم الحفلات المحترف:
- إدارة الوقت باحترافية: إنشاء جدول زمني لكل التفاصيل.
- المرونة وحل المشكلات: القدرة على إيجاد حلول فورية للظروف غير المتوقعة.
- الحس الفني والذوق الراقي: من خلال التغذية البصرية والاطلاع المستمر.
- القدرة على التفاوض وإدارة الميزانية بضمير: للحصول على أفضل الأسعار دون التأثير على الجودة.
- التواصل الفعال: حضور مريح، القدرة على التفاهم مع الجميع، واستخدام لغة الجسد.
- الابتكار والإبداع: التفكير خارج الصندوق وتقديم لمسات فريدة.
- إدارة فريق العمل: القدرة على التوزيع الفعال للمهام والسيطرة على الفريق.
- التركيز على التفاصيل: لأنها سر تميز الحفلة.
- الهدوء تحت الضغط: عدم إظهار التوتر للعميل.
- التسويق الشخصي: القدرة على التسويق للنفس بطريقة احترافية تجعل الناس تتحدث عن العمل.
فن التعامل مع والدة الزوج “مفتاح الاستقرار”
يقدم محمد عبد الخالق نصائح قيمة للزوجات حول كيفية التعامل مع والدة الزوج لضمان حياة مستقرة:
- الاستماع باهتمام: عندما تتحدث، انظري في عينيها واهتمي بما تقوله.
- المبادرة: كوني أنتِ من تأخذ الخطوة الأولى نحوها بكلمة حلوة أو هدية بسيطة أو سؤال عنها.
- فهم دورها: هي جزء لا يتجزأ من زوجكِ، وحبكِ لها لن يقلل من حب ابنها لكِ، بل سيزيد احترام زوجكِ لكِ.
- تجنب المقارنات: “اوعي تدخلي في مقارنات مع أمه.”
- طمأنتها: لا تجعليها تشعر بأنها تخسر ابنها.
- التعامل مع المشاكل بحكمة: إذا حدث ما يضايقكِ، خذي وقتكِ ولا تردي بسرعة، ولا تدعي المشكلة تكبر، وتصالحي معها بعيدًا عن زوجكِ.
- البحث عن نقاط الاتفاق: اكتشفي اهتماماتها المشتركة وقدمي لها المديح الصادق.
- وضع الحدود بأدب: قولي “لا” بطريقة مؤدبة دون رفع الصوت.
- كوني كابنتها المدللة: اجعليها تشعر بأنكِ ابنتها، وأنكِ تدللين ابنها جيدًا.
- الدعاء: ادعي دائمًا أن يجعل الله بينكم المودة.
الإلهام والاعتراف العالمي
يختتم محمد عبد الخالق حديثه بكشف قصة بدايته المذهلة. ففي الفترة التي كان فيها في السعودية، لم يكن منظم حفلات بعد، بل كان مساعداً لمنظم حفلات. بفضل اجتهاده وأسلوبه الجيد، حظي بدعم كبير من الكثيرين. ذات يوم، أُسند إليه تنظيم حفل زفاف لعائلة مرموقة. هذا الحفل لاقى صدى كبيراً، وانتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وبدأت المجلات تتحدث عنه. المكتب الذي كان يعمل به نال إشادة كبيرة بهذا العمل.
المفاجأة الكبرى كانت عندما قامت إحدى المجلات العالمية (دون ذكر اسمها) بتصنيفه ضمن أفضل 100 مصمم حفلات لعام 2023. يقول: “الحمد لله والفضل لله عندي كان خبر أنا اتفاجئت به ما كنتش متوقع خالص.” جاء هذا الاعتراف في فترة كان يمر فيها بظروف صعبة، مما زاد من فرحته التي لا توصف. بالنسبة لمحمد عبد الخالق، كل فرح ينظمه يمثل “نقطة تحول في مسيرتي”، فهو يرى في كل مناسبة فرصة للإبداع والتأثير الإيجابي، ليس فقط في تنظيم الحفل، بل في لمس القلوب وترك بصمة لا تنسى.