احتفلت دول مجلس التعاون الخليجي بمرور 44 عامًا على تأسيسه (25 مايو 1981)، مسجلة إنجازات غير مسبوقة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، لتترسخ مكانتها كلاعب رئيسي لا يمكن تجاوزه في المعادلات الدولية. فبينما يرتفع اقتصادها ليصبح ضمن أكبر 11 اقتصادًا عالميًا، تتعاظم أدوارها الدبلوماسية في حل النزاعات الدولية المعقدة.
اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي
تؤكد الإحصائيات الصادرة عن المركز الإحصائي الخليجي في 24 مايو 2025 القوة الاقتصادية المتنامية لدول المجلس، حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي المشترك 2.1 تريليون دولار. كما تمتلك هذه الدول مجموع أصول احتياطية أجنبية يصل إلى 748 مليار دولار، وتُقدر أصول صناديق الثروة السيادية بنحو 4.9 تريليونات دولار، وهو ما يمثل 37% من أصول أكبر 100 صندوق ثروة سيادية عالميًا.
تستحوذ أسواق المال الخليجية على 4.3% من إجمالي القيمة السوقية لأسواق المال العالمية، محتلة المرتبة السابعة عالميًا. وفي مجال الذكاء الاصطناعي، من المتوقع أن يسهم هذا القطاع بنسبة 34% من الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج بحلول عام 2030، مع تصنيف خمس من دول المجلس ضمن أفضل 50 اقتصادًا عالميًا من حيث جاهزية الحكومات لتبني هذا القطاع، متجاوزة المتوسط العالمي بجدارة.
وبحسب الأمين العام لمجلس التعاون، جاسم البديوي، فإن متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في دول المجلس يبلغ نحو 36.8 ألف دولار، وهو ما يفوق ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي، مما يعكس ارتفاع مستوى الدخل وجودة الحياة للمواطن الخليجي. ومن المتوقع أن يستمر النمو الاقتصادي لدول المجلس بوتيرة أعلى في عام 2025، ليبلغ 4.5%، مع نمو في القطاع غير النفطي بنسبة 3.3% في العام نفسه.
قوة دبلوماسية ووساطات ناجحة
على الصعيد السياسي، أصبحت دول الخليج مركزًا لحل النزاعات العالمية وفاعلًا رئيسيًا في صناعة القرار الدولي. يؤكد البديوي أن مسيرة مجلس التعاون ظلت مثالًا يحتذى به في وحدة الصف والتكامل الفاعل، لتصبح نموذجًا رائدًا على المستويين الإقليمي والدولي.
شهدت الأشهر الماضية قممًا وشراكات دبلوماسية هامة، بما في ذلك القمة الخليجية الأوروبية والقمة الخليجية الأمريكية، وتُعقد قريبًا قمم مع رابطة دول الآسيان والصين. وقد تصدرت دول الخليج مشهد الدبلوماسية الدولية من خلال وساطات ناجحة في قضايا معقدة مثل أفغانستان، حرب غزة، البرنامج النووي الإيراني، الأزمة اليمنية، ملف السودان، والحرب في أوكرانيا.
يشير الدكتور محمد العريمي، الكاتب والباحث في الشؤون السياسية، إلى أن دول المجلس “نقلت اقتصاداتها إلى مراحل أكثر تنوعًا”، مع تنامي برامج التحول الاقتصادي مثل رؤية السلطنة 2040، ورؤية السعودية 2030، ورؤية قطر 2030. كما أظهرت “قدرة متزايدة على إدارة التحديات الجيوسياسية من خلال سياسات خارجية أكثر فاعلية ومرونة، وتحركات دبلوماسية مستقلة توازن بين المصالح الإقليمية والدولية”.
تحديات مستقبلية رغم الإنجازات
على الرغم من الإنجازات الهائلة، يرى العريمي أن مجلس التعاون يواجه تحديات هيكلية وسياسية في المرحلة المقبلة. تشمل هذه التحديات تفاوت الرؤى السياسية بين بعض الدول الأعضاء، والاعتماد المستمر على النفط والغاز رغم جهود التنويع الاقتصادي، والتحديات الجيوسياسية المتمثلة في التدخلات الإقليمية وصعود قوى آسيوية جديدة. كما تبرز التحولات الاجتماعية والديموغرافية والحاجة إلى التكيف مع مجتمع شاب متطلع للتغيير وضغوط خلق الوظائف وتحقيق التنمية المستدامة.