في إنجاز علمي يضاف إلى رصيد الابتكارات السعودية في مجال الرعاية الصحية الرقمية. طورت جامعة نجران مشروعًا رائدًا يحمل اسم “روبوت التوحد”. الذي يهدف إلى تقديم دعم تقني متكامل للأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد وأسرهم. من خلال حلول ذكية تجمع بين التقنية والطب السلوكي، وهو ما يمثل خطوة غير مسبوقة على المستوى الإقليمي.
ويجمع المشروع بين تطبيقين ذكيين: أحدهما في ساعة يرتديها الطفل. والاخر في هاتف أحد والديه أو معلمه. ليوفر حزمة من الوظائف التي تشمل تنمية المهارات اللغوية. وتعزيز الوظائف التنفيذية للدماغ، وتنظيم الانفعالات، فضلًا عن تتبع موقع الطفل لضمان سلامته.
فجوة الرعاية بعد العيادة
وفي حديث خاص لـ”العربية.نت”، أوضح الدكتور حسين ال عماد. أستاذ طب نفس الأطفال المشارك بكلية الطب بجامعة نجران. أن المشروع جاء استجابة لحاجة ملحة لسد الفجوة بين الجلسات العلاجية التقليدية والواقع اليومي للطفل في المنزل والمدرسة. مضيفًا: “دمجنا تقنيات العلاج السلوكي المعرفي مع أدوات رقمية مبتكرة تواكب تطلعات الأسر وتلبي احتياجات الأطفال”.
وبحسب ال عماد، يتيح التطبيق للأطفال غير الناطقين التواصل عبر اختيار صور تمثل احتياجاتهم. ترسل تلقائيًا إلى الجهاز الطرفي الخاص بالوالدين أو المعلم. كما يحفز الأطفال على استخدام اللغة من خلال جمل وأصوات مسجلة. يحصلون مقابلها على نقاط تحفيزية تشجع على تكرار السلوك الإيجابي.
تدريب ذاتي ومهارات تنظيمية
ومن بين أبرز مزايا النظام إمكانية تسجيل مقاطع فيديو إرشادية توضح خطوات المهام اليومية، مثل ارتداء الملابس أو ترتيب السرير. ما يعزز قدرة الطفل على الاستقلالية والتنظيم. ويحتوي التطبيق أيضًا على أدوات لمساعدة الطفل في التعرف على مشاعره والتعبير عنها أو طلب المساعدة.
أما من حيث السلامة، فيوفر النظام تقنية تتبع دقيقة عبر خرائط جوجل. مع خيار تحديد “منطقة أمان” تُرسل تنبيهات فورية في حال تجاوز الطفل حدودها، مما يضمن حماية استباقية.
شراكة دولية وتوسع عالمي
على الرغم من التحديات التقنية، خصوصًا في ربط الساعة الذكية بالتطبيق. تمكن الفريق المطوّر من تأسيس شراكة بحثية مع معهد “جوانزو” والأكاديمية الصينية للعلوم لتعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي وتحسين الأداء.
واليوم، يخضع التطبيق لترجمة إلى اللغتين الصينية والإنجليزية لتلبية الطلب المتزايد من عدة دول، ما يمهد الطريق لوصول المشروع إلى أسواق عالمية، في خطوة تعكس طموح السعودية لتكون رائدة في مجال الصحة الإلكترونية والرعاية الذكية لذوي الإعاقة.
ويعد اختيار المشروع ضمن أفضل 20 مبادرة على مستوى العالم في القمة العالمية لمجتمع المعلومات في جنيف، شهادة عالمية على عمق الابتكار ودقة التوجّه نحو تطوير أدوات مستدامة لتحسين جودة الحياة.
دعم مؤسسي ورؤية شاملة لروبوت التوحد
ويتسق المشروع مع أهداف رؤية السعودية 2030، التي تركز على تحسين جودة الحياة، وتعزيز الاستثمار في رأس المال البشري، وتحقيق التكامل بين التقنية والرعاية الصحية والتعليمية.
وتمنح المملكة المصابين باضطراب طيف التوحد حزمة من الحقوق الأساسية تشمل التعليم، الرعاية، التواصل، الدعم، والحماية، كما توفر لهم بطاقات خدمات خاصة من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.
استجابة علمية ونتائج ملموسة
من جانبه، أوضح الدكتور طلعت الوزنة، أمين عام الجمعية السعودية الخيرية للتوحد، أن الجمعية تقدم خدماتها لأكثر من 700 مستفيد في أربعة مراكز رئيسية بالمملكة، وتعتمد على تقنيات تفاعلية مثل الشاشات الذكية وتطبيقات التواصل البديل لتحسين المهارات اللغوية والاجتماعية للأطفال.
وأشار إلى أن الدراسات الحديثة أثبتت أثر التقنية الفعال في تحسين الأداء السلوكي والاجتماعي، إذ أظهرت دراسة بريطانية تحسنًا بنسبة 60% في المهارات الاجتماعية خلال فترة قصيرة، بينما ساهمت برامج الواقع الافتراضي – بحسب أبحاث من جامعات مثل ستانفورد – في تقليل القلق وتحسين التنظيم العاطفي لدى المصابين بالتوحد.
من التقنية إلى التمكين
ما بين تطبيقات ذكية وروبوتات تفاعلية ومبادرات مثل “روبوت التوحد”، تواصل المملكة نهجها في تسخير التقنية لخدمة الإنسان، لا سيما للفئات التي تحتاج دعمًا خاصًا، مما يعزز موقعها كلاعب رئيسي في بناء مستقبل يتكامل فيه العلم والرحمة والتطور الرقمي.