في تطور لافت يمزج بين الترفيه الرقمي والعروض الموسيقية. تحولت منصة الألعاب الشهيرة “روبلوكس” (Roblox) مؤخرًا إلى مسرح افتراضي يحتضن حفلات موسيقية لفنانين عرب وخليجيين. في تجربة غير تقليدية جذبت ملايين المشاهدين من أنحاء العالم، وأعادت طرح سؤال جوهري: هل تتحوّل منصات الألعاب إلى مسارح الغد؟
البداية بحفلة أنغام… والجمهور يتفاعل
الانطلاقة جاءت من إعلان مفاجئ عن حفلة للفنانة المصرية أنغام، تم الترويج له على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي. تفاعل المستخدمون بشكل كبير مع الحدث. وسرعان ما توالت الإعلانات عن حفلات أخرى لنجوم كبار مثل محمد عبده، عبادي الجوهر. عبدالمجيد عبدالله، وعايض.
الحفلات، التي استمرت كل منها نحو ساعة، جمعت بين الأداء الموسيقي الحي في بيئة افتراضية تفاعلية. وشخصيات ثلاثية الأبعاد تمثل الفنانين. وقد عبر الفنان السعودي عايض عن رغبته في المشاركة “الافتراضية”، وهو ما تحقق بالفعل.

روبلوكس
حفلات افتراضية… ونقاشات حول الحقوق
هذه التجربة الجديدة فتحت نقاشًا واسعًا حول مستقبل تنظيم الحفلات الافتراضية. إذ بدأت بعض الفعاليات بوضع رسوم مالية مقابل دخول مناطق معينة من المسرح الافتراضي. وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول الحقوق الفكرية للفنانين ومنظمي الفعاليات، وآليات تقاسم العوائد داخل هذا النموذج الرقمي الجديد.
من “ليل ناس إكس” إلى “روبلوكس العرب”
تعود بدايات هذه التجربة إلى نوفمبر 2020، حين أطلقت “روبلوكس” أول حفلة افتراضية ضخمة للفنان الأميركي ليل ناس إكس. لم يكن الحفل مجرد بث مباشر، بل تجربة غامرة داخل عالم افتراضي صمم خصيصًا لهذا الحدث. واستقطب أكثر من 36 مليون مشاهد، وهو ما شكّل نقطة تحوّل في صناعة الموسيقى الرقمية.
ومنذ ذلك الحين، استضافت المنصة حفلات لنجوم عالميين مثل زارا لارسون. تاي فيرديس، وديفيد غيتا، محققة أرقام حضور تجاوزت 20 مليون مستخدم في بعض الفعاليات.

روبلوكس
من التفاعل إلى التخصيص
ما يميز حفلات “روبلوكس” ليس فقط سهولة الوصول، بل التفاعل الشخصي الذي يحصل عليه كل مستخدم. فبإمكان الجمهور تصميم شخصياتهم، التجول داخل المسرح، الرقص، والتفاعل مع الأغاني عبر مهام ومؤثرات داخل الحفل. هذا النمط جذب بشكل خاص فئة المراهقين والشباب، الذين يشكلون النسبة الأكبر من جمهور المنصة.
“الميتافيرس” في خدمة الفن
من جهة أخرى، يؤكد خبراء التقنية أن هذه الظاهرة تتجاوز كونها مجرد تجربة ترفيهية، بل تعكس ملامح التحول القادم نحو “الميتافيرس”. ويشير الباحث التقني بسام السيف في حديث له، إلى أن هذه الحفلات تمثل دمجًا مبتكرًا بين التكنولوجيا، الفن، والتجربة التفاعلية.
وأضاف: “ما نراه اليوم على روبلوكس هو ملامح سوق جديدة تمامًا. الحفل الواحد يمكن أن يجذب ملايين المستخدمين، ويحقق أرباحًا من التذاكر الرقمية، الإعلانات، والمشتريات داخل المنصة. هذا نموذج تجاري مغرٍ جدًا لشركات الإنتاج”.

روبلوكس
شراكات استراتيجية وتحول في الصناعة
بحسب السيف، بدأت شركات إنتاج كبرى مثل Warner وSony بالفعل بالدخول في شراكات مع منصات مثل Roblox وFortnite، في محاولة لإعادة تعريف العلاقة بين الفنان والجمهور، دون الاعتماد الحصري على الحفلات الواقعية.
وأوضح أن العالم الرقمي لم يعد مجرد أداة ترويج، بل أصبح “سوقًا متكاملًا” بحد ذاته، يجمع بين الإبداع والربح والتوسع العالمي.
مستقبل الحفلات بين الواقعي والافتراضي في روبلوكس
في ختام حديثه، قال السيف: “نحن على مشارف تحول كبير في صناعة الموسيقى. الحفلات الافتراضية لن تبقى خيارًا ثانويًا، بل ستصبح جزءًا أساسيًا من استراتيجيات التوزيع الفني خلال السنوات المقبلة، خصوصًا مع التطورات المتسارعة في تقنيات الواقع الافتراضي وزيادة إقبال المستخدمين من مختلف الأعمار”.
وبينما يظل الواقع الافتراضي في تطور مستمر، تبقى هذه الحفلات نموذجًا حيًا لكيف يمكن للتكنولوجيا أن تعيد رسم مشهد الترفيه والموسيقى، وتمنح الفنانين أدوات جديدة للتواصل مع جمهور عالمي يتجاوز حدود الجغرافيا والزمان.