الخميس, أكتوبر 16, 2025
الرئيسية » هل تكسر أفريقيا هيمنة وكالات التصنيف الائتماني العالمية؟ حراك إقليمي نحو الاستقلالية المالية

هل تكسر أفريقيا هيمنة وكالات التصنيف الائتماني العالمية؟ حراك إقليمي نحو الاستقلالية المالية

هل تكسر أفريقيا هيمنة وكالات التصنيف الائتماني العالمية؟ حراك إقليمي نحو الاستقلالية المالية
هل تكسر أفريقيا هيمنة وكالات التصنيف الائتماني العالمية؟ حراك إقليمي نحو الاستقلالية المالية

تتزايد حدة الجدل في الأروقة المالية والاقتصادية في القارة الأفريقية بشأن الدور المهيمن لوكالات التصنيف الائتماني العالمية. فبينما تشكل هذه الوكالات حجر الزاوية في تحديد تكلفة الاقتراض للدول والشركات، تتهمها العديد من الحكومات والمؤسسات المالية الأفريقية بالتحيز وعدم فهم السياقات الاقتصادية والاجتماعية المعقدة للقارة. ترى هذه الجهات أن التصنيفات الصادرة عن عمالقة الصناعة مثل “موديز” و”فيتش” و”ستاندرد آند بورز” لا تعكس بدقة الواقع الاقتصادي على الأرض، مما يؤدي إلى ارتفاع غير مبرر في تكاليف الاقتراض السيادي، ويُثقل كاهل الدول النامية بالديون. وفي ظل هذا الاستياء المتزايد، تتوالى الدعوات والمبادرات لتطوير بدائل محلية أو إقليمية تكون أقرب إلى النحديات والفرص الفريدة التي تواجهها الاقتصادات الأفريقية.

 

يهدف هذا التقرير إلى التعمق في هذا المشهد المتغير، مستعرضين دور وأهمية وكالات التصنيف الائتماني، ومعاييرها العالمية، وحجم الانتقادات الموجهة إليها من منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. كما سنسلط الضوء على مبادرة وكالة التصنيف الائتماني الأفريقية (AfCRA) والتحديات التي تواجهها، مستلهمين الدروس من التجارب الدولية المتباينة في هذا المجال.

هل تكسر أفريقيا هيمنة وكالات التصنيف الائتماني العالمية؟ حراك إقليمي نحو الاستقلالية المالية

ما هي وكالات التصنيف الائتماني وما معاييرها؟ ودورها المحوري في الأسواق العالمية

في قلب النظام المالي العالمي، تقف وكالات التصنيف الائتماني كمؤسسات مالية مستقلة، تضطلع بمهمة أساسية تتمثل في تقييم الجدارة الائتمانية للدول والشركات. هدفها الأسمى هو قياس قدرة هذه الكيانات على الوفاء بالتزاماتها المالية وسداد ديونها في المواعيد المحددة والالتزام بالشروط التعاقدية. تصدر هذه الوكالات تصنيفات تعكس مستوى المخاطر المتأصلة في كل جهة، حيث تشير التصنيفات المرتفعة إلى قدرة قوية على السداد ومخاطر منخفضة، بينما تنبئ التصنيفات المنخفضة بمخاطر عالية محتملة للتعثر.

 

إن لهذه التصنيفات دوراً مباشراً وحاسماً في تحديد تكلفة الاقتراض. فالجهات التي تتمتع بتصنيف ائتماني عالٍ تحصل على شروط تمويل أفضل وأسعار فائدة أقل، مما يقلل من أعباء الديون ويتيح لها فرصاً استثمارية أوسع. في المقابل، تواجه الجهات ذات التصنيف المنخفض فوائد أعلى، مما يزيد من صعوبة الحصول على التمويل ويعيق مساعيها التنموية.

 

يهيمن على سوق التصنيف الائتماني العالمي ثلاث وكالات كبرى: “ستاندرد آند بورز غلوبال” (Standard & Poor’s Global)، و”موديز إنفستورز سيرفيس” (Moody’s Investors Service)، و”فيتش ريتنغز” (Fitch Ratings). تصدر هذه الوكالات مجتمعةً أكثر من 95% من التصنيفات على مستوى العالم، مما يبرز حجم هيمنتها وتأثيرها الهائل على الاقتصادات الدولية.

 

تعتمد هذه الوكالات في تقييماتها على تحليل مالي شامل يغطي جوانب متعددة من الأداء المالي للكيانات المقيمة. يشمل هذا التحليل دراسة دقيقة للميزانيات، والتدفقات النقدية، ونسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وغيرها من المؤشرات المالية الحيوية. بالإضافة إلى ذلك، تؤخذ في الاعتبار المؤشرات الاقتصادية الكلية مثل معدلات النمو الاقتصادي، ومستويات التضخم، ومعدلات البطالة. ولا يقتصر التقييم على الجوانب الكمية فحسب، بل يمتد ليشمل العوامل النوعية التي تعد بنفس القدر من الأهمية، مثل كفاءة الإدارة، ومستوى الحوكمة الرشيدة، والشفافية المؤسسية، بالإضافة إلى مدى الاستقرار السياسي والأمني في الدولة أو المنطقة المعنية.

 

بعد جمع وتحليل جميع هذه البيانات، تدمج النتائج في نماذج داخلية متطورة تعرض على لجنة تصنيف مستقلة. تصدر هذه اللجنة القرار النهائي بشأن التصنيف الائتماني، وتراجع التصنيفات بشكل دوري أو عند حدوث أي تغييرات جوهرية في الظروف الاقتصادية أو السياسية التي قد تؤثر على الجدارة الائتمانية للجهة المقيمة.

 

وفيما يتعلق بتطبيق هذه المعايير على الصعيد الإقليمي، لا شك أن بإمكانها أن تطبق بفعالية في أفريقيا والشرق الأوسط. ومع ذلك، يتطلب ذلك استيفاء شروط أساسية، من أهمها بناء قدرات تحليلية مستقلة وقوية، وتحسين جودة البيانات المتاحة، وضمان الشفافية التنظيمية الكاملة. بل إن هذا التوجه قد يشكل خطوة استراتيجية جوهرية لتعزيز السيادة المالية لدول المنطقة وتوسيع نطاق التمويل المحلي والدولي، كما أوصت ورشة عمل نظمتها اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة.

“AfCRA” والبدائل الإقليمية.. هل تنجح أفريقيا في تحدي الكبار؟

في خطوة جريئة نحو تعزيز السيادة المالية، تستعد القارة الأفريقية لإطلاق وكالة التصنيف الائتماني الأفريقية (AfCRA)، وهي مبادرة مدعومة بقوة من الاتحاد الأفريقي. تهدف هذه الوكالة إلى بدء عملياتها بحلول نهاية سبتمبر 2025، مع توقع إصدار أول تصنيف سيادي في أواخر العام نفسه أو مطلع عام 2026. وتأتي هذه المبادرة في ظل انتقادات متكررة لوكالات التصنيف الائتماني العالمية، مثل “موديز” و”فيتش” و”ستاندرد آند بورز”، بالتحيز وغياب الشفافية تجاه اقتصادات القارة السمراء. أكد ميشيك موتيزي، منسق المبادرة، أن “AfCRA” ستدار من قبل كيانات خاصة أفريقية لضمان الاستقلالية التامة وتفادي أي تضارب في المصالح، وهو ما يُعتبر نقطة محورية لضمان مصداقيتها.

 

ستركّز “AfCRA” بشكل خاص على تصنيف الديون المقوّمة بالعملات المحلية، وذلك سعياً لدعم تطوير أسواق رأس المال الإقليمية وخفض الاعتماد على التمويل الخارجي، الذي غالبًا ما يأتي بشروط قاسية. ورغم المخاوف المشروعة من أن تكون التقييمات المزمعة أكثر تساهلاً، شدد القائمون على الوكالة على أنها ستصدر تصنيفات موضوعية ونزيهة، ولن تتردد في خفضها إذا استدعى الأمر ذلك. وقد لقيت المبادرة اهتماماً أولياً ملحوظاً من العديد من الحكومات والشركات الأفريقية، خاصة في ظل تزايد الحاجة إلى تقييمات ائتمانية تُعبر بشكل أكثر واقعية عن الظروف الاقتصادية المحلية.

 

تجدر الإشارة إلى أن عمل وكالات التصنيف الائتماني القائمة حاليًا في المنطقة يقتصر في الغالب على تقييم المؤسسات المالية الخاصة أو الحكومية والأوراق المالية المهيكلة، ولا تغطي السندات السيادية للدول. ومع ذلك، تخطط “AfCRA” لسد هذه الفجوة وتقديم تصنيفات سيادية تُراعي الأوضاع المالية المحلية، مما سيُحدث نقلة نوعية في هذا المجال.

 

بالإضافة إلى “AfCRA” الطموحة، هناك أمثلة لوكالات تصنيف قائمة بالفعل في المنطقة. من أبرزها وكالة “الشرق الأوسط للتصنيف الائتماني وخدمة المستثمرين” (ميريس)، ومقرها مصر. تأسست “ميريس” في عام 2003 كشراكة بين “موديز” وشركة “فينبي” (FinBi) المصرية، لتصبح أول وكالة تصنيف وطنية تُعنى بإصدار تقييمات للجهات المالية في الدولة، بما في ذلك البنوك والشركات وتمويلات الأوراق المالية المهيكلة. تعتمد “ميريس” منهجيات تحليل عالمية مقدمة من “موديز” ولكنها تُطبقها بمنظور محلي يُسهم في فهم دقيق للسوق المصرية، وتصدر تقارير تقييم ائتماني لمُصدري الديون، مقدرةً الجدارة الائتمانية عبر مزيج من النماذج الكمية والحوكمة النوعية، مع دعم تقني ومعرفي مستمر من “موديز”.

 

وفي تطور لافت في السوق المصرية، بدأ تحالف “بلتون” المصري في أكتوبر من عام 2024، بالتعاون الفني مع مجموعة “Crif Ratings” الإيطالية، خطوات تأسيس ثاني شركة تصنيف ائتماني في مصر. جاء ذلك بعد أن منحت الهيئة العامة للرقابة المالية موافقتها على المضي في إجراءات الترخيص، مؤكدةً أن التحالف حقق “أعلى درجة توافق مع معايير المفاضلة” المطلوبة للحصول على ترخيص ممارسة نشاط تقييم وتصنيف وترتيب الأوراق المالية.

 

على صعيد القارة الأفريقية الأوسع، تعد وكالة “غلوبال كريديت ريتنغ” (GCR) أكبر وكالة تصنيف ائتماني في أفريقيا، وتعمل في دول رئيسية مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا وكينيا والسنغال. استحوذت عليها شركة “موديز” العالمية بالكامل في عام 2024، بعد أن كانت قد اشترت حصة أغلبية فيها عام 2022. لكن “GCR” تواصل العمل باستقلالية تشغيلية، مع الاحتفاظ بمنهجيات محلية تُراعي خصوصية السوق الأفريقية. تُصدر “GCR” تصنيفات لمؤسسات مالية وشركات وجهات حكومية، وتُعتبر ركيزة أساسية لتحسين فهم المخاطر الائتمانية في القارة وفق معايير مهنية تجمع بين الخبرة العالمية والسياق الإقليمي.

 

وفي منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً في البحرين، تأسست وكالة التصنيف الإسلامية الدولية (IIRA) في عام 2002 بمبادرة من البنك الإسلامي للتنمية، وبدأت نشاطها في عام 2005. هدفها الأساسي هو دعم تطوير الأسواق المالية الإسلامية في دول منظمة التعاون الإسلامي والمناطق الآسيوية والمتوسطية. تُصدر الوكالة تصنيفات متوافقة مع الشريعة الإسلامية، وتُغطي البنوك الإسلامية، وأدوات التمويل الإسلامي، وشركات التكافل. وتعتمد في منهجيتها على تحليل مالي وشرعي متكامل يتم من خلال لجنة تصنيف وهيئة رقابة شرعية.

 

تحديات جمة أمام وكالات التصنيف الإقليمية

على الرغم من الطموحات الكبيرة التي تحدو أفريقيا لإنشاء وكالة تصنيف ائتماني إقليمية قادرة على الحد من هيمنة وكالات التصنيف الائتماني العالمية الكبرى، إلا أن هذه المساعي تواجه تحديات هيكلية حقيقية قد تعيق تقدمها. تحدث تقرير صادر عن المركز البحثي المستقل “أو دي آي غلوبال” (ODI Global) عن أبرز هذه التحديات، والتي تُلقي بظلالها على مستقبل هذه المبادرات الواعدة.

 

أول هذه التحديات يكمن في كلفة التأسيس الباهظة. فوفقاً للتقديرات، تقدر كلفة إنشاء وكالة تصنيف ائتماني إقليمية بنحو 500 مليون دولار. هذا المبلغ الضخم لم تتمكن مبادرات أوروبية مماثلة من جمعه، على الرغم من توفر الدعم المؤسسي الكبير هناك. هذا يشير إلى حجم العقبة المالية التي تواجهها القارة الأفريقية. يضاف إلى ذلك أن السوق الأفريقية لا تولد طلباً كافياً على خدمات التصنيف الائتماني بالقدر الذي يسمح بتحقيق الاستدامة المالية لوكالة جديدة. ويعود ذلك جزئياً إلى أن معظم أدوات الدين في العديد من الدول الأفريقية محلية، ولا تُلزم الجهات المُصدرة بالحصول على تصنيف ائتماني رسمي.

 

عائق آخر بالغ الأهمية هو غياب الاعتراف الدولي. فالمستثمرون العالميون، الذين تشكل ثقتهم عاملاً حاسماً في نجاح أي وكالة تصنيف، لا يعترفون عادةً إلا بالتصنيفات الصادرة عن وكالات معتمدة رقابياً في أسواقهم الرئيسية. ودون هذا الاعتراف، تظل تصنيفات أي وكالة أفريقية جديدة غير فعّالة عملياً في جذب الاستثمارات الدولية، مما يحد من تأثيرها وقيمتها المضافة.

 

لا تقتصر التحديات على الجانب المالي والاعتراف، بل تمتد لتشمل مخاطر تضارب المصالح. فإذا ما تم تمويل الوكالة المقترحة من قبل الاتحاد الأفريقي أو من بنوك إقليمية تُصنف بدورها من قبل هذه الوكالة، فإن ذلك قد يثير تساؤلات جدية حول استقلاليتها ونزاهة تقييماتها. هذا التضارب المحتمل قد يُقوض مصداقيتها أمام المستثمرين والجهات المقيمة على حد سواء. أخيراً، يهدد ضعف جودة البيانات في العديد من الدول الأفريقية دقة التصنيفات الصادرة عن أي وكالة جديدة. فالبيانات المالية والاقتصادية غير الدقيقة أو غير الكاملة تحد من قدرة الوكالة على إجراء تحليلات سليمة، وبالتالي تُقوض مصداقيتها في السوق.

 

تجارب وكالات التصنيف البديلة دروس من النجاحات والإخفاقات

تظهر التجارب الدولية في مجال تأسيس وكالات تصنيف بديلة أن النجاح لا يتوقف فقط على توفير التمويل اللازم أو رفع شعارات “التحرر من هيمنة الكبار”. فالأمر يتطلب مجموعة من العوامل الحاسمة، أبرزها الحوكمة الصارمة، والاستقلالية التنظيمية، والابتكار في منهجيات التقييم، بالإضافة إلى بناء مصداقية تراكمية تعتمد على المهنية المطلقة، والبعد عن الخضوع للتسييس المحلي أو الضغوط التجارية.

 

في الصين، قدمت وكالة “داغونغ” (Dagong) نموذجاً تحذيرياً يجب الوقوف عنده. فبعد صعودها كلاعب محلي يحظى بدعم سياسي كبير، تورطت لاحقاً في فضائح تلاعب بتصنيفات الشركات مقابل مصالح تجارية. أدى ذلك إلى تعليق ترخيصها من قِبل السلطات المالية، وفقدان ثقة السوق بشكل كامل في تصنيفاتها. ولم تنج الوكالة من الانهيار التام إلا عبر عملية استحواذ حكومي مباشرة. الدرس المستفاد هنا واضح: الحوكمة الضعيفة والفساد يطيحان بأي وكالة، مهما كانت طموحة أو مدعومة سياسياً.

 

وفي الهند، تعرضت وكالة “آي سي آر إيه” (ICRA) لانتقادات مماثلة بعد تقارير عن تدخلات من عملاء كبار في عملية التقييم، مما أثار الشكوك حول نزاهة تصنيفاتها، بحسب تقرير مركز “أو دي آي غلوبال”. هذه الحالات تؤكد على أهمية الاستقلالية الحقيقية للوكالة عن الأطراف التي تُصنفها.

 

في المقابل، قدمت وكالة “سكوب ريتينغ” (Scope Ratings) الأوروبية تجربة مختلفة تعد مثالاً إيجابياً. نشأت الوكالة من مبادرة خاصة دون دعم سياسي مباشر، وركزت على تقديم أدوات تقييم مبتكرة. من بين هذه الابتكارات، دمج اختبارات الحوكمة البيئية والمخاطر المناخية ضمن التصنيف الائتماني، مما يظهر رؤية متقدمة وفهماً للتحديات العالمية الجديدة. ورغم أنها لم تنافس فعلياً الوكالات الكبرى المهيمنة، إلا أن منهجيتها المستقلة والشفافة أكسبتها احتراماً متزايداً في السوق الأوروبية، وأدخلتها في بعض أنظمة التقييم داخل منظومة البنك المركزي الأوروبي. هذه التجربة تبرهن على أن المصداقية تبنى بالمهنية والابتكار، وليس فقط بحجم التمويل.

الانتقادات الموجهة لوكالات التصنيف الائتماني العالمية

لطالما كانت وكالات التصنيف الائتماني العالمية هدفاً للانتقادات الحادة من الدول النامية، وتحديداً في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث تتهم هذه الوكالات بتطبيق معايير لا تتناسب مع واقع اقتصادات هذه الدول، مما يؤدي إلى نتائج تفاقم من تحدياتها المالية.

 

في الشرق الأوسط، عبّرت كل من مصر وتركيا عن استيائهما من تشدد وكالات التصنيف الائتماني الدولية في تقييم الأوضاع الاقتصادية المحلية. ففي عام 2022، صرح وزير المالية المصري حينها، محمد معيط، بأن وكالات التصنيف “لا ترحم وضعنا” على الرغم من التحديات الاقتصادية العالمية والمحلية التي تواجهها الدول الأفريقية. واعتبر معيط أن هذه الوكالات تتجاهل سياق الأزمة وترفع تكلفة تمويل الدول بشكل يفاقم من أعبائها. أما في تركيا، فقد اتهم الرئيس رجب طيب أردوغان في عام 2018 وكالات التصنيف بمحاولة تقويض النظام المصرفي التركي، وذلك بعد أن قامت “موديز” و”فيتش” بتخفيض تصنيف الدولة وسط أزمة العملة الحادة التي شهدتها البلاد آنذاك.

 

على صعيد القارة الأفريقية، تصاعدت حدة الانتقادات من عدة دول رئيسية، أبرزها نيجيريا، وغانا، وزامبيا. فقد اعتبرت نيجيريا خفض “موديز” لتصنيفها في عام 2023 قراراً “مفاجئاً” وغير عادل، مشيرةً إلى أن الوكالة لا تفهم البيئة الاقتصادية المحلية وتحدياتها. وفي كينيا، اتهم الرئيس ويليام روتو الوكالات بأنها تمارس “ابتزازاً” عبر تصنيفات تعسفية ترفع أسعار الفائدة على الدول النامية، مما يعيق جهود التنمية. أما وزير مالية غانا، فقد اتهم وكالات التصنيف بـ”انحياز منهجي” يضخم المخاطر ويعيق جمع التمويل الضروري لمشاريع التنمية. كذلك، رفضت زامبيا تقييمات “فيتش” و”موديز” قبل تعثرها في سداد ديونها عام 2020، مؤكدة أن التصنيفات لم تعكس حقيقة وضعها الاقتصادي.

 

لم تقتصر هذه الانتقادات على الحكومات فحسب، بل شملت أيضاً منظمات دولية مرموقة. فقد أكد “مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية” (أونكتاد) أن التقييمات المجحفة لوكالات التصنيف تحمّل الدول الأفريقية فوائد مرتفعة لا تعكس واقعها الاقتصادي الفعلي. وفي تقرير صدر عام 2023، كشف “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي” أن العوامل الذاتية في منهجيات “موديز”، و”فيتش”، و”ستاندرد آند بورز” كلّفت القارة الأفريقية ما يُقدر بنحو 74.5 مليار دولار من الفوائد الزائدة وفرص التمويل المهدرة، وهو ما يعد مبلغاً هائلاً يعيق جهود التنمية في القارة.

 

على جانب آخر، وعلى الرغم من هذه الانتقادات الواسعة، أوضح تقرير لوكالة “رويترز” أن باحثين قاموا بمراجعة عشرات النماذج الرياضية وحاولوا تكرار منهجيات التصنيف، فلم يجدوا دليلاً إحصائياً واضحاً على وجود تحيّز منهجي مباشر ضد أفريقيا في تقييمات الوكالات. غير أن الخبراء اعترفوا بأن شعور الدول الأفريقية بالإحباط مفهوم تماماً، إذ إنها “لا تعرف بالضبط ما هي المنهجيات أو المعايير التي تستخدمها وكالات التصنيف”. هذا النقص في الشفافية يجعل الدول تشعر بالضعف وتفسر النتائج على أنها ربما منحازة، مما يشير إلى أن جانباً من المشكلة يتعلق بالشفافية وفهم الآلية أكثر منه بانحياز متعمد.

مع ذلك، يستمر الكثير من الاقتصاديين، خصوصاً في أفريقيا، بالمطالبة بتطوير نماذج تقييم بديلة أكثر مراعاة للواقع المحلي والظروف الفريدة التي تمر بها اقتصاداتهم.

NightlyNews24 موقع إخباري عربي يقدم أخبار السياسة، الاقتصاد، والرياضة بتغطية يومية دقيقة وتحليلات موجزة لمتابعة الأحداث الراهنة بأسلوب مهني وموضوعي.

النشرة البريدية

اشترك الآن في نشرتنا البريدية وكن أول من يتابع آخر الأخبار والتحديثات الحصرية مباشرة إلى بريدك الإلكتروني!

آخر الأخبار

@2021 – جميع الحقوق محفوظة NightlyNews24