لم يكن أحد يتوقع أن يحمل النصف الأول من عام 2025 هذا القدر من الدراما المالية. فعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض أثارت كثيرًا من القلق، غير أن ما شهدته الأسواق العالمية تجاوز كل التوقعات. حيث شكل الانهيار الكبير في قيمة الدولار الأميركي العنوان الأبرز لتحولات مالية عميقة تعصف بالنظام الاقتصادي العالمي.
في حين بدت المؤشرات العامة توحي بحالة من الاستقرار. علاوة على ارتفاع الأسهم العالمية إلى مستويات قياسية وتراجع أسعار الفائدة في عدد من الاقتصادات الكبرى. فإن التفاصيل كشفت عن واقع أكثر اضطرابًا.
الدولار يتراجع والذهب يلمع
فقد الدولار الأميركي أكثر من 10% من قيمته منذ بداية العام. في أسوأ أداء يسجله خلال نصف أول من عام منذ بدء نظام تعويم العملات في سبعينيات القرن الماضي. وفي المقابل، قفز الذهب بنسبة 25%. مسجلًا أعلى ارتفاع له منذ انهيار نظام بريتون وودز. في إشارة إلى تزايد فقدان الثقة في الدولار كملاذ آمن.
أوروبا تعيد التسلح.. وأسهم السلاح تقفز
في حين تطور موازٍ، شهدت أسهم شركات تصنيع السلاح الأوروبية ارتفاعًا بنحو 70%. بدفع من رسائل واضحة أطلقها ترامب حول تقليص الدعم العسكري الأميركي لحلفاء الناتو. ما دفع أوروبا إلى تكثيف جهودها الدفاعية وتحفيز الإنفاق العسكري.
التكنولوجيا الصينية تتفوق والسبعة العظماء يتراجعون
وعلى الجانب الآخر من المحيط، تراجعت أسهم السبعة العظماء في وول ستريت. وهي الشركات التكنولوجية الأميركية الكبرى، في حين حققت شركات التكنولوجيا الصينية مكاسب تجاوزت 20%. مستفيدة من تراجع الجاذبية الأميركية وتنامي الحضور الآسيوي في الأسواق العالمية.
الأسواق الناشئة تستعيد بريقها
المفاجأة الأكبر جاءت من الأسواق الناشئة، التي انتعشت بشكل لافت خلال النصف الأول من العام. فقد قفز الروبل الروسي بنسبة 40% مدعومًا بالتقارب بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتجاوزت عملة غانا هذه النسبة، مسجلة ارتفاعًا بلغ 42% بدعم من الطفرة في أسعار الذهب.
كما ارتفعت عملات شرق أوروبا، مثل الزلوتي البولندي والكرونة التشيكية والفورنت المجري، بنسبة تراوحت بين 13% و17%. وحتى البيزو المكسيكي، إلى جانب سندات الأسواق الناشئة المقومة بالعملة المحلية، حققت مكاسب من خانتين.
انكماش في الغرب وتذبذب في العوائد
في المقابل، أظهرت اقتصادات متقدمة مؤشرات على انكماش محتمل. إذ خفضت سويسرا أسعار الفائدة إلى الصفر مجددًا هذا الشهر، في خطوة تعكس توجهاً لمواجهة ركود اقتصادي متوقع.
أما عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 30 عامًا. فشهدت تقلبات حادة، إذ بلغت 5.1% في مايو، قبل أن تتراجع إلى 4.8% لاحقاً، في وقت لم تظهر فيه مؤشرات الخوف التقليدية، مثل مؤشر VIX، أي قلق واضح.
العجز الأميركي وتأثيراته الهيكلية
تأتي هذه التحولات في ظل خطة إنفاق ضخمة أطلقها ترامب تحت اسم الفاتورة المالية الجميلة الكبيرة. تبقي العجز الأميركي بين 6% و7% من الناتج المحلي الإجمالي، في وقت يتجاوز فيه الدين العام الأميركي 36 تريليون دولار.
وقد دفعت هذه السياسة الأسواق إلى إعادة تقييم مستقبل الدولار. وسط تحذيرات من بنك التسويات الدولية بشأن عودة محتملة لموجات التضخم في الولايات المتحدة. نتيجة السياسات الحمائية والجمركية التي تتبناها الإدارة الجديدة.
معركة الأسواق الحقيقية لم تبدأ بعد
في المحصلة، وبينما تبدو الأسواق هادئة على السطح، فإن الأعماق تشهد تغيرات جذرية في اتجاهات رأس المال وتوزيع النفوذ المالي. الدولار يترنح، والذهب يسطع، والأسلحة تعود إلى الواجهة، في مشهد اقتصادي يعكس ملامح عهد ترامب الثاني، حيث يبدو أن معركة الأسواق الحقيقية ما زالت في بدايتها.-