الخميس, أكتوبر 16, 2025
الرئيسية » “أفريقيا تنقسم” رحلة القارة السمراء نحو محيط جديد يتشكل ببطء

“أفريقيا تنقسم” رحلة القارة السمراء نحو محيط جديد يتشكل ببطء

"أفريقيا تنقسم" رحلة القارة السمراء نحو محيط جديد يتشكل ببطء

تؤكد الدراسات العلمية الحديثة حقيقة جيولوجية مذهلة: قارة أفريقيا في طريقها للانقسام إلى نصفين، وهي ظاهرة ليست ضربًا من الخيال العلمي، بل عملية جيولوجية بطيئة تحدث على مدى ملايين السنين وتعرف باسم التصدع القاري. هذا التحول الهائل، الذي يتكشف ببطء شديد، يقدم نافذة فريدة لفهم الديناميكيات العميقة لكوكبنا، ويشكل دراما جيولوجية تتكشف أمام أعين العلماء، وإن كانت على جداول زمنية لا يمكن تصورها في عمر الإنسان.

 

“الأخدود الأفريقي العظيم” شق يتسع ببطء

يعد الأخدود الأفريقي العظيم (East African Rift Valley) المسرح الرئيسي لهذه الظاهرة التحويلية. يمتد هذا النظام التصدعي القاري لمسافة تزيد عن 3500 كيلومتر، من خليج عدن والبحر الأحمر شمالاً وصولاً إلى موزمبيق جنوباً. إنه ليس مجرد شق بسيط، بل هو نظام معقد من الوديان المنخفضة الممتدة، والمنخفضات، والأحواض التي تشكلت نتيجة لحركة الصفائح التكتونية المتباعدة. تتسم هذه المنطقة بوجود “الغرابن” و”الأنصاف غرابن”، وهي تراكيب جيولوجية مميزة تتشكل بفعل الصدوع العادية التي تؤدي إلى انزلاق كتل الصخور إلى الأسفل، مما يخلق هذه المنخفضات الطولية.

"أفريقيا تنقسم" رحلة القارة السمراء نحو محيط جديد يتشكل ببطء

تتركز عملية الانقسام في هذه المنطقة حيث تنقسم الصفيحة الأفريقية إلى صفيحتين رئيسيتين: الصفيحة النوبية في الغرب والصفيحة الصومالية في الشرق. وفي الشمال، تنفصل الصفيحة العربية أيضًا عن هاتين الصفيحتين، مما يخلق نظام تصدع على شكل حرف “Y”. تلتقي هذه الصفائح الثلاث في منطقة “عفر” بإثيوبيا، التي تُعرف بـ “النقطة الثلاثية”. يتكون الأخدود من فرعين رئيسيين متوازيين تقريبًا: الفرع الشرقي الذي يمر عبر إثيوبيا وكينيا ويتميز بنشاط بركاني كثيف، والفرع الغربي الذي يمتد في قوس من أوغندا إلى ملاوي ويتميز ببحيرات عميقة واسعة مثل بحيرة تنجانيقا، ويعتبر أكثر نشاطًا زلزاليًا. هذا التباين في الخصائص بين الفرعين يشير إلى أن القوى الجيولوجية المؤثرة ليست موحدة تمامًا عبر النظام بأكمله، بل تتأثر بعوامل مثل تدفق المواد من الوشاح وسمك القشرة الأرضية في كل منطقة.

 

القوى المحركة: الصفائح التكتونية واندفاع الوشاح

يكمن السبب الجوهري وراء هذا الانقسام في النشاط المستمر للصفائح التكتونية للأرض. تتكون القشرة الأرضية من ألواح ضخمة تتحرك باستمرار، وعندما تتباعد هذه الصفائح، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تشكل تصدعات أو “شقوق” في القشرة القارية. ومع ذلك، فإن الفهم العلمي الأعمق يشير إلى أن القوة الدافعة الرئيسية وراء هذا التباعد في شرق أفريقيا هي صعود “عمود وشاحي” ضخم أو “سوبر بلوم” من الصخور الساخنة من أعماق وشاح الأرض. يتسبب هذا الاندفاع الحراري في تسخين القشرة القارية العلوية ورفعها وتمددها، مما يؤدي إلى تكسرها وتصدعها.

 

تشير الأبحاث الحديثة إلى أن هذا الاندفاع الوشاحي لا يحدث بشكل ثابت، بل في “نبضات إيقاعية” تشبه ضربات القلب. هذه النبضات من الصخور المنصهرة ترتفع بشكل دوري، مما يضعف القشرة فوقها ويؤدي إلى نشاط بركاني وزلزالي. يوضح هذا السلوك النبضي كيف يرتبط صعود المواد الساخنة من الوشاح ارتباطًا وثيقًا. بحركات الصفائح التكتونية التي تدفع فتح القشرة الأرضية، مما يؤثر على توزيع الصهارة ومعدلات التصدع.

 

تتباعد الصفيحة الصومالية عن الصفيحة النوبية بمعدل بطيء ولكنه ثابت، يتراوح بين 6 إلى 7 ملليمترات سنويًا. بينما يؤكد العلماء هذه الحركات الدقيقة باستخدام تقنيات متقدمة مثل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) وتحليل البيانات الزلزالية. لقد أحدث تحليل بيانات نظام تحديد المواقع العالمي المتكررة. قفزة نوعية في دقة فهمنا للحركات الحديثة للأخدود الأفريقي العظيم. هذه القياسات الجيوديسية تتبع بدقة حركة الصفائح وتقيس معدلات التباعد، مما يوفر أدلة قوية على العملية الجارية. علاوة على ذلك، يُعد الأخدود الأفريقي العظيم. أكبر نظام تصدعي نشط زلزاليًا على وجه الأرض اليوم، بينما تحدث غالبية الزلازل بالقرب من منخفض عفر. يمثل هذا النشاط الزلزالي المستمر دليلاً إضافيًا على القوى التكتونية النشطة التي تشق القارة. ويشير إلى مناطق ذات مخاطر زلزالية عالية تتطلب تقييمًا مستمرًا للمخاطر واستراتيجيات التأهب للكوارث.

"أفريقيا تنقسم" رحلة القارة السمراء نحو محيط جديد يتشكل ببطء

مستقبل “القارة السمراء” محيط جديد وأرض منفصلة

لن يحدث الانقسام بين عشية وضحاها، بل هي عملية بطيئة للغاية تستغرق ملايين السنين. مع استمرار التمدد على طول الأخدود، ستغوص الوديان المتصدعة أعمق فأعمق، وفي النهاية ستغمرها مياه البحر. سيؤدي هذا إلى ظهور محيط جديد ضيق، مكتمل بظهر محيطي خاص به، يفصل الجزء الشرقي من أفريقيا عن بقية القارة. قد ينظر إلى هذا المحيط الناشئ على أنه محيط سادس جديد يتشكل على كوكبنا.

 

الجزء الشرقي من أفريقيا، والذي يشمل القرن الأفريقي ودولًا مثل إثيوبيا وكينيا والصومال وتنزانيا، علاوة على أجزاء من ملاوي وموزمبيق. سيشكل كتلة قارية جديدة أو “جزيرة” كبيرة منفصلة. في حين يتوقع العلماء أن هذه العملية ستستغرق ما بين 5 إلى 10 ملايين سنة حتى يكتمل الانفصال، وهي جداول زمنية جيولوجية تتجاوز بكثير نطاق التصور البشري.

 

أهمية الدراسات: نافذة على ديناميكية الأرض

إن دراسة انقسام قارة أفريقيا ليست مجرد فضول علمي، بل لها أهمية بالغة في فهمنا لكيفية عمل كوكب الأرض. يقدم الأخدود الأفريقي العظيم “مختبرًا طبيعيًا” فريدًا من نوعه، بينما يمكن للعلماء. ملاحظة ودراسة عملية التصدع القاري وهي تحدث في الوقت الفعلي. تتيح هذه الفرصة النادرة للباحثين فهم العمليات التي عادة ما تكون مخفية تحت قاع المحيطات، مما يوفر رؤى لا تقدر بثمن حول تطور القارات وتكوين المحيطات الجديدة.

 

تمتد أهمية هذه الدراسات إلى ما هو أبعد من الجيولوجيا البحتة. فهي تساعد في فهم توزيع الموارد الطبيعية، مثل المعادن والموارد الهيدروكربونية، التي غالبًا ما تتراكم في الأحواض الرسوبية الناتجة عن التصدع. كما أنها تمكن العلماء من التنبؤ بالتغيرات الجيولوجية المستقبلية. وتقييم المخاطر المرتبطة بالنشاط التكتوني، بما في ذلك الزلازل والانفجارات البركانية. نظرًا لأن الأخدود الأفريقي العظيم هو أكبر نظام تصدعي نشط زلزاليًا، فإن فهم ديناميكيته أمر حيوي. لتطوير استراتيجيات فعالة لتقييم المخاطر والتأهب للكوارث للمجتمعات التي تعيش في المناطق المتأثرة. علاوة على ذلك، يشار إلى الأخدود الأفريقي العظيم غالبًا على أنه “مهد البشرية” نظرًا لسجله الأحفوري الغني. مما يجعله منطقة محورية في دراسة التطور البشري. وبالتالي، فإن مراقبة هذا التحول الجيولوجي العملاق لا يثري معرفتنا بكوكب الأرض فحسب، بل يسهم أيضًا في فهمنا لمستقبلنا ولفهم تاريخنا العميق.

NightlyNews24 موقع إخباري عربي يقدم أخبار السياسة، الاقتصاد، والرياضة بتغطية يومية دقيقة وتحليلات موجزة لمتابعة الأحداث الراهنة بأسلوب مهني وموضوعي.

النشرة البريدية

اشترك الآن في نشرتنا البريدية وكن أول من يتابع آخر الأخبار والتحديثات الحصرية مباشرة إلى بريدك الإلكتروني!

آخر الأخبار

@2021 – جميع الحقوق محفوظة NightlyNews24