في مشهد يعكس تنامي الحضور الإماراتي على الساحة الدولية، قام سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان. ولي عهد أبوظبي، بزيارة إلى مدينة ريو دي جانيرو لحضور قمة مجموعة “بريكس”. في وقت تشهد فيه العلاقات الاقتصادية بين الإمارات والبرازيل زخمًا غير مسبوق وتحولاً استراتيجياً في خريطة التعاون جنوب-جنوب.
الإمارات.. الشريك الأول للبرازيل في قمة بريكس
تشير أحدث البيانات إلى أن دولة الإمارات أصبحت الشريك التجاري الأول للبرازيل على مستوى الشرق الأوسط. والثاني في الأميركيتين بعد الولايات المتحدة. وخلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2024، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 13.28 مليار درهم. مدعومًا بزيادة واردات الإمارات من اللحوم والذهب والسكر، وصادراتها من النفط واليوريا وقطع غيار الطائرات.
اللافت أن التجارة الثنائية غير النفطية بين الجانبين تجاوزت 4 مليارات دولار في عام 2022، محققة نمواً بنسبة 32% مقارنة بالعام الذي سبقه، ما يعكس انتقالًا في نوعية التجارة إلى سلع وخدمات ذات قيمة مضافة، تنسجم مع استراتيجيات التنويع الاقتصادي لكلا البلدين.
استثمارات إماراتية راسخة في الاقتصاد البرازيلي
عززت الإمارات من حضورها الاستثماري في البرازيل، لتصبح من أكبر المستثمرين الأجانب هناك، بإجمالي استثمارات تتجاوز 5 مليارات دولار. وتتصدر كيانات إماراتية كبرى مثل المبادلة، وموانئ دبي العالمية، وطيران الإمارات، وبنك أبوظبي الأول، والياه سات، المشهد الاستثماري في مختلف القطاعات البرازيلية.
في المقابل، تنشط أكثر من 30 شركة برازيلية في الإمارات، من أبرزها شركة BRF المتخصصة في تعبئة اللحوم، والتي تمتلك مصنعًا في أبوظبي. كما تحتفظ البرازيل بمكاتب تمثيلية فاعلة في الدولة، تشمل غرفة التجارة العربية البرازيلية ووكالة أبيكس برازيل (APEX-Brasil) في دبي، ما يعزز مكانة الإمارات كبوابة للأسواق الإقليمية والعالمية.
توسع إماراتي في أسواق البريكس
اقتصادياً، سجلت العلاقات التجارية بين الإمارات ودول مجموعة بريكس نموًا لافتًا. فقد ارتفعت صادرات الدولة إلى المجموعة من 62.3 مليار دولار في 2019 إلى 126.6 مليار دولار في 2024. بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 12.5%. أما الواردات، فصعدت من 88.2 مليار دولار إلى 145 مليار دولار خلال نفس الفترة، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 8.6%.
التجارة غير النفطية.. تنوع متزايد في الهيكل الاقتصادي
تبرز التجارة غير النفطية كعامل محوري في هذا النمو، إذ تشك ما يقرب من 97% من صادرات الإمارات إلى دول البريكس، بقيمة ارتفعت من 60.3 مليار دولار في 2019 إلى 123 مليار دولار في 2024. كما زادت الواردات غير النفطية من 81.2 مليار دولار إلى 137 مليار دولار، ما يعكس تنوعاً متزايداً في بنية التجارة الخارجية.
هيكل تجاري متطور ومتنوع
في تحليل هيكل التجارة، تأتي الصناعات الهندسية في الصدارة، حيث شكلت 48.7% من واردات الإمارات من دول البريكس، و44.6% من صادراتها إليها. كما ساهمت الصناعات الكيميائية والغذائية بنسبة تفوق 20% من إجمالي التبادل التجاري، إلى جانب مواد البناء، والأدوية، ومنتجات التجميل. أما الزراعة والصناعات اليدوية، فتمثل قطاعات مكملة تعكس التنوع في القاعدة الإنتاجية للطرفين.
توافق استراتيجي في ملفات المناخ والحوكمة
يمتد التعاون الإماراتي البرازيلي إلى ما هو أبعد من الاقتصاد. ففي ضوء استعداد البرازيل لاستضافة مؤتمر COP30، ظهر تقارب ملحوظ بين الجانبين في ملفات الاستدامة والتمويل المناخي. وقد دعمت البرازيل إعلان الإمارات التاريخي خلال مؤتمر COP28، وشاركت في المبادرة العالمية التي جمعت أكثر من 85 مليار دولار لتمويل المناخ. ما يجسد التكامل في الأجندات البيئية بين رئاستي البريكس ومجموعة العشرين.
ولا يقتصر هذا التقارب على الملفات المناخية، بل يشمل تحديث الإدارة الحكومية. حيث أطلقت الدولتان شراكة استراتيجية لتبادل الخبرات في مجالات الحوكمة، وبناء القدرات، والتنافسية الحكومية. بما يعزز من جودة الأداء المؤسسي في البلدين.
ساو باولو ودبي.. محاور متقابلة للاستثمار
تلعب ولاية ساو باولو دورًا محورياً في تعزيز هذا التعاون، بوصفها القلب التجاري للبرازيل ومركزًا لنحو 80% من شركاتها الكبرى. ويأتي افتتاح القنصلية الإماراتية في ساو باولو، ومكتب InvestSP في دبي. كمؤشر قوي على حرص الطرفين على تسهيل التدفقات الاستثمارية وتعميق الروابط المؤسسية.
إن مشاركة سمو ولي عهد أبوظبي في قمة بريكس لا تمثل حضورًا بروتوكولياً فحسب. بل تعكس رؤية استراتيجية تسعى من خلالها الإمارات إلى ترسيخ شراكات متعددة الأبعاد مع القوى الصاعدة، وعلى رأسها البرازيل. وفي هذا الإطار، تواصل الدولة ترسيخ مكانتها كمركز عالمي للتجارة والاستثمار، من خلال نموذج قائم على التنوع، والمرونة، والمصالح المتبادلة.