مع بداية 2025، وبينما بدأت الأسواق العالمية تترقب جولة جديدة من التوترات التجارية المحتملة بفعل التصريحات التصعيدية للرئيس الأميركي دونالد ترمب، توجه المستثمرون في السوق السعودية نحو القطاعات الدفاعية، بحث عن ملاذات أكثر أمان وسط ضبابية خارجية وتقلبات في أسعار النفط.
سجلت قطاعات مثل العقارات والاتصالات والبنوك مكاسب لافتة، في وقت عانت فيه معظم القطاعات الأخرى من ضغوط بيعية، تأثراً بضعف شهية المخاطرة عالمي وتوقعات متباينة لمسار الاقتصاد الكلي. وحققت معظم أسهم الشركات في تلك القطاعات أداء جيد عن الربع الأخير من العام الماضي مدفوعة بطفرة المشاريع العملاقة المرتبطة برؤية 2030 وتخفيف قيود الملكية الأجنبية وارتفاع أسعار الفائدة.
في المجمل، اتسمت السوق السعودية بالحذر، إذ لم يسجل المؤشر العام تغير يذكر، محافظ على مستوى يتجاوز 12 ألف نقطة، بينما تنوع أداء الأسواق العالمية قبيل ما يعرف بيوم التحرير،الذي رجت تبعاته أسواق المال الدولية.

الأسواق العالمية
العقارات على القمة
قطاع إدارة وتطوير العقارات في السوق السعودية تصدر المكاسب خلال الربع الأول، مرتفع بنسبة 15%.
دعم هذا الأداء قفزة في الأرباح المجمعة لشركات القطاع بنحو 127% إلى 1.64 مليار ريال خلال الربع الأخير من العام الماضي، مدفوعة بانتعاش المشاريع الإنشائية ومبادرات التملك الأجنبي في المناطق المقدسة في خطوة توقعت إي إف جي هيرميس أن تحفز شهية المستثمرين الأجانب، لا سيما غير المقيمين.
وشهدت أسهم جبل عمر و دار الأركان وطيبة و رتال وغيرها مكاسب متفاوتة، وصلت إلى 41.7%، رغم تسجيل بعض الأسهم أداء سلبي في القطاع ذاته.
محمد زيدان، المحلل المالي الأول لدى الشرق،يرى أن آفاق القطاع إيجابية خلال الفترة المقبلة، مدعومة بتوقعات خفض أسعار الفائدة، والتوسع بمشاريع التطوير العقاري في المملكة، والزيادة السكانية.
أسهم الاتصالات تحلق
جاء قطاع الاتصالات في المركز الثاني بارتفاع نسبته 12.6% خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام مع صعود سهم شركة الاتصالات السعودية STC بنسبة 13.4% وموبايلي بنسبة 14.2% و زين بنسبة 9.7%.
يشير زيدان إلى أن القطاع يضم أسهم قيمة وشركات دفاعية لذلك لها دور جيد في المحافظ الاستثمارية وهو ما أدى إلى المكاسب الكبيرة رغم الضغوطات والتقلبات العالمية،وأضاف أن التقييمات الحالية للقطاع جيدة.
الأسواق تتوقع استمرار نمو إيرادات القطاع بوتيرة أعلى من المتوسط التاريخي لآخر خمس سنوات، بنسبة 13% في الربع الأول و8% في الربع الثاني أكثر من 25% من المحللين يوصون بالشراء بحسب زيدان.
البنوك تصعد بثبات
الطلب القوي على الاقتراض في المملكة بدعم مشاريع رؤية 2030 عزز أداء القطاع المصرفي الذي احتل المركز الثالث بصعوده 7.7% بعد إعلان نتائج مالية قوية مستفيد أيضا من ارتفاع صافي دخل الفائدة.
زادت الأرباح المجمعة للقطاع حوالي 20% إلى 20.94 مليار ريال تقريبا في الربع الرابع من العام الماضي مما ساهم في صعود سهم مصرف الراجحي صاحب ثاني أكبر وزن على المؤشر العام بنسبة 7.8%، و البنك الأهلي بنسبة 7.3% ومصرف الإنماء حوالي 6%.
لكن عدم اتضاح مسار أسعار الفائدة الأميركية في المرحلة المقبلة، خصوص في ظل التصعيد التجاري بين الولايات المتحدة والصين، قد يؤثر على أنشطة البنوك إذ يحذو البنك المركزي السعودي حذو نظيره الأميركي في سياسته النقدية.
يرى هشام العياص، كبير المحللين الماليين لدى الشرق،أن التصعيد التجاري قد يكون سلاح ذا حدين خلال الفترة المقبلة، على الجانب السلبي،قد يؤدي التصعيد إلى عودة شبح التضخم مما يدفع الفيدرالي الأميركي لرفع الفائدة؛ وهو ما سيؤثر على نمو القروض، ويزيد المخاطر الائتمانية، أو ينتج عنه ركود اقتصادي يؤدي لعزوف المستثمرين الأجانب عن المخاطرة، ويقلل الطلب على النفط؛ مما سيؤثر على دخل المملكة وحجم الودائع في النظام المصرفي.
أما الجانب الإيجابي، فقد يدفع الركود الاقتصادي الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة؛ مما سينعش أنشطة الإقراض لا سيما للشركات الصغيرة التي تحصل على قروض بضمانات داخل المملكة، بحسب العياص.
هبوط معظم قطاعات السوق
في المقابل، تراجعت معظم قطاعات السوق وكان أبرزها هبوط قطاع الإعلام والترفيه حوالي 31%، لكن أكثرها تأثير كانت قطاعات الطاقة والمواد الأساسية والمرافق العامة التي خسرت ما بين 4.2% و13.3%.
المسار الهبوطي لأسعار النفط، الذي يتداول حاليا دون 67 دولار للبرميل، والتوقعات القاتمة للطلب، وخصوصا من الصين، أكبر مستهلك في العالم، ضغط على أسهم الشركات ذات الصلة ليتراجع قطاع الطاقة بنسبة 4.2% والمواد الأساسية بنسبة 5.4%.
خسر سهم أرامكو،صاحب أكبر وزن على المؤشر العام، 4.6% خلال الربع الأول متأثر أيضاً بنتائج الشركة وتوزيعاتها النقدية التي خيبت التوقعات.
وفي قطاع المواد الأساسية، هبطت غالبية أسهم شركات البتروكيماويات وكان أبرزها هبوط أسعار أسهم شركات سابك وسابك للمغذيات الزراعية وينساب و لوبريف بما يتراوح بين 4.5% و8.2%. بالإضافة إلى ذلك، انخفض سهم شركة التعدين العربية السعودية معادن ثاني أكبر شركة في القطاع بنسبة 8%.
لكن أسهم شركات الأسمنت، وهي من القطاعات التي تعتمد على السوق المحلية، حدت من تفاقم خسائر القطاع إذ ارتفع أغلبها مستفيد من الطفرة العقارية.
ويقول عبد ربه زيدان، رئيس الأبحاث والدراسات في أرقام المالية، إن شركات البتروكيماويات واجهت عدة تحديات مثل التباطؤ في الصين ما اضطر الحكومة لتحفيز الاقتصاد في العام الماضي وكذلك انخفاض الطلب.
كل هذا يؤثر على الأسعار والهوامش. وهناك أيضاً تكاليف التمويل، كان متوقع أن تشهد 2025 خفضين إلى ثلاثة في أسعار الفائدة والآن ربما يكون هناك خفض واحد فقط وهو ما سيؤثر على تكاليف التمويل.
وأشار إلى أن آفاق القطاع تتأثر بالتصعيد التجاري الذي سيؤثر حال استمراره على اقتصادات العالم بأكمله مما سيضغط على أسعار النفط ومن ثم أسعار البتروكيماويات.
سجل قطاع المرافق العامة أكبر خسارة بالنسبة المئوية متراجع 13.3%، مع هبوط أسهم أكوا باور،أكبر شركة في القطاع، بنسبة 14.5%، و السعودية للكهرباء بنسبة 5.6%، و مرافق بنسبة 16.2%.