في الوقت الذي يبحث فيه العالم عن بدائل صحية ومنعشة لمواجهة حرارة الصيف الحارقة، يبرز مشروب “العيران التركي” التقليدي كقوة اقتصادية صاعدة. ففي بلد تتجاوز فيه درجات الحرارة 40 درجة مئوية صيفًا، أصبح كوب العيران ليس فقط مرويًا للعطش، بل محركًا للاقتصاد ومصدرًا متزايدًا للصادرات.
العيران التركي
“العيران التركي” من وصفة تراثية إلى ركيزة اقتصادية
ما كان في السابق مجرد مزيج بسيط من الزبادي والماء والملح، تحول “العيران” إلى ركيزة أساسية في صناعة الألبان التركية، بقيمة تجارية متصاعدة. هذا المنتج، الذي يتميز بتكلفته المنخفضة وهامش ربحه المرتفع بفضل وفرة مدخلات الألبان المحلية. يستهلك من قبل أكثر من 85% من الأسر التركية أسبوعيًا. بينما يشتريه أكثر من 70% من المستهلكين مرة واحدة على الأقل أسبوعيًا، وفقًا لمعهد الإحصاء التركي (TÜİK).
صادرات بنكهة محلية .. العيران التركي يتجاوز الحدود
لم يعد العيران مجرد منتج محلي؛ ففي عام 2023، تجاوزت قيمة صادرات الألبان التركية 4.2 مليون لتر، مدعومة بمشتقات الزبادي مثل العيران. وقد توسعت كبرى الشركات المصنعة للعيران، مثل “بينار” و”سوتاش”، لتغطي أسواق الخليج وأوروبا الشرقية. بينما يصدر العيران المعبأ حاليًا إلى أكثر من 30 دولة. ويتوقع خبراء الاقتصاد أن تزداد هذه الصادرات بفضل تصنيف العيران كمشروب “بروبيوتيك طبيعي”. مما يجعله مقبولًا بشكل متزايد ضمن أنظمة الغذاء الصحية المتخصصة.
من الصحة إلى التوظيف ومقاومة التضخم
لا يقتصر نجاح العيران على الأسواق الخارجية؛ فقد ارتفع الطلب المحلي عليه بنسبة تتراوح بين 20-30% خلال أشهر الصيف. وفي عام 2023، بلغ حجم سوق العيران المحلية أكثر من 1.05 مليار لتر، بقيمة سوقية إجمالية تجاوزت 29 مليار ليرة تركية (حوالي 890 مليون دولار أمريكي). مسجلاً نسبة نمو سنوي في المبيعات تصل إلى 5.7% رغم ارتفاع أسعار الأعلاف والطاقة.
يعزى هذا النجاح جزئيًا إلى فوائد العيران الصحية، حيث يساعد في تعويض المعادن المفقودة بسبب التعرق. ويعتبر بديلاً صحيًا للمشروبات الغازية، بينما قد تفوق العيران على المشروبات الغازية في بعض المناطق الريفية. بنسبة استهلاك تصل إلى 2.4 مرة، وفقًا لـ”نيلسن تركيا” في عام 2023.
في حين يمثل إنتاج العيران حالة مثالية للتصنيع الزراعي الناجح، حيث يحول منتج أولي (اللبن). إلى منتج نهائي ذي قيمة مضافة أعلى، مما يخلق وظائف ويحفز الابتكار في قطاع الألبان.
بينما يحافظ هذا القطاع على الطلب على الحليب والزبادي المنتجين محليًا، ويمثل حوالي 15%. من إجمالي مشتقات الحليب المبيعة في الأسواق التركية، يعد قطاع الألبان التركي من بين أكثر القطاعات الزراعية توظيفًا في البلاد. حيث يقدر عدد العاملين فيه بنحو 130 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة.
وفي تقرير مشترك بين وزارة الزراعة التركية واتحاد المصدرين الزراعيين عام 2024، أشير إلى أن العيران يُستخدم كنموذج لتثبيت الأسعار في قطاع الألبان، حيث تجعل تكلفته المنخفضة وسهولة إنتاجه منه أداة دفاعية ضد التضخم الغذائي المتزايد في تركيا.
العيران التركي على مائدة العشاء العالمية
بينما بدأت سلاسل المطاعم العالمية، مثل برجر كنج، بتقديم العيران في قوائم الطعام التركية، وهو تكيّف نادر مدفوع بالطلب المحلي. كما تشير الإحصائيات إلى أن 90% من “الأكشاك” ومطاعم الوجبات السريعة المحلية في تركيا تعرض العيران ضمن قائمة مشروباتها اليومية. وهو المشروب الأول المبيع إلى جانب الوجبات السريعة في سلاسل المطاعم المحلية، متفوقًا على المشروبات الغازية في الأسواق الريفية والحضرية.
وفي الأسواق التي تضم كثافة سكانية عالية من المغتربين الأتراك، مثل ألمانيا وفرنسا والإمارات العربية المتحدة. نمت مبيعات العيران بنسبة 15% على أساس سنوي، مما يشير إلى وجود طلب كامن على هذا المشروب خارج تركيا. ورغم أن نكهات العيران قد تبدو غريبة على الأسواق العالمية، إلا أن أرقامه المحلية والعالمية تثبت أنه ليس مجرد تراث. بل منتج استراتيجي يساهم بقوة في الاقتصاد التركي كل يوم.