في فجر يوم الجمعة، الموافق 13 يونيو 2025، اهتزت منطقة الشرق الأوسط، على وقع تصعيد عسكري غير مسبوق، بعدما شنت إسرائيل هجومًا جويًا واسع النطاق استهدف منشآت نووية إيرانية، بما في ذلك مفاعل “نطنز”.
هذه العملية، التي أطلقت عليها “تل أبيب” اسم “الأسد الصاعد”، أثارت مخاوف دولية واسعة، في حين ينذر مراقبون بأنها قد تدفع بالمنطقة نحو أسابيع من المواجهة المتقطعة، مع تداعيات اقتصادية وسياسية عميقة قد تتجاوز حدود الشرق الأوسط لتلامس استقرار العالم بأسره.
الضربة الإسرائيلية لإيران متوقعة وعواقب اقتصادية وسياسية فورية
في تحليل عميق للوضع، علق الدكتور محمد محمود عبد الرحيم، الباحث الاقتصادي، قائلًا: “الوضع مقلق وخطير جدًا. الضربة الإسرائيلية لإيران بالتأكيد كانت متوقعة، وكانت هناك مؤشرات ودلالات قوية جدًا ترجح وقوع ضربة مركزة على إيران خلال يومي الجمعة والسبت”.
وأشار الدكتور “عبد الرحيم” إلى أن هذه الضربة تحمل في طياتها تغييرات جوهرية وتأثيرات واسعة على الأصعدة الاقتصادية والسياسية. متوقعًا أنه على “المستوى السياسي ستقلب منطقة الشرق الأوسط رأسًا على عقب”.
التأثيرات الاقتصادية بدأت تظهر جليًا فور اندلاع الهجوم. أولى هذه التأثيرات كانت على أسعار الذهب، الذي شهد تحركًا كبيرًا. ففي أوقات النزاعات وعدم اليقين، يعتبر الذهب ملاذًا آمنًا للمستثمرين.
ومع التصريحات الإسرائيلية التي تشير إلى أن هذه “حرب محدودة” قد تستمر لعدة أيام أو أسابيع. يتوقع الباحث الاقتصادي استمرار ارتفاع أسعار الذهب بشكل “كبير جدًا” وفقًا لتطورات الأحداث.
وقد تجاوزت التداعيات سوق الذهب لتطال البورصات العالمية. يوضح الدكتور عبد الرحيم أن “كل المؤشرات الرئيسية في البورصات العالمية تقريبًا ستهتز، وبالفعل حدث ذلك في جلسة التداول في أمريكا بالأمس. وخصوصًا في الشرق الأوسط والخليج ومصر تحديدًا. هذا الاضطراب يعكس مدى ترابط الأسواق العالمية وتأثرها بالصراعات الجيوسياسية”.
أسعار النفط تحلق عاليًا بعد الضربة الإسرائيلية لإيران
لم تكن أسعار النفط بمعزل عن هذه التطورات. ففي الدقائق الأولى للهجوم، شهدت أسعار النفط ارتفاعًا حادًا تجاوز 6%. وبينما قد يكون هذا الارتفاع إيجابيًا لبعض الدول المصدرة للبترول كالمملكة العربية السعودية ودول الخليج. ويعود بالنفع على موازناتها. إلا أن الدكتور عبد الرحيم يحذر من أنه “في نفس الوقت قد يكون نقمة”.
فمن منظور إستراتيجي، إذا عجزت إيران عن توجيه ضربات قوية ومباشرة للداخل الإسرائيلي. فقد تلجأ إلى استهداف القواعد الأمريكية في منطقة الخليج. أو حتى بعض المنشآت الاقتصادية الخليجية. مثل هذا السيناريو، رغم إعلان دول الخليج مرارًا وتكرارًا رفضها لاستخدام مجالها الجوي. أو إدخالها في هذا الصراع، يمكن أن يسبب “هزة كبيرة جدًا سياسية واقتصادية في الخليج”. مع احتمالية “أخطاء عشوائية” قد تمتد إلى بعض المنشآت الاقتصادية الحيوية.
الملاحة وقناة السويس ممرات حيوية في مرمى التهديد
بينما يضاف إلى قائمة المخاوف الاقتصادية، التحذيرات المتعلقة بقطاع الملاحة البحرية. يرى الدكتور عبد الرحيم، أن “الملاحة في الشرق الأوسط يمكن أن تهتز بشكل كبير”، مما يضع ضغوطًا إضافية على الممرات المائية الحيوية.
وتأتي على رأس هذه الممرات قناة السويس، التي تُعد شريانًا رئيسيًا للتجارة العالمية. يشير عبد الرحيم إلى أن “وضع قناة السويس حاليًا ليس الأفضل“، مما يعني أن أي اضطراب إضافي قد تكون له تبعات وخيمة على حركة التجارة العالمية والاقتصاد المصري الذي يعتمد بشكل كبير على إيرادات القناة.
شبح اتساع الصراع: هل تدخل أطراف إقليمية أخرى؟
لا يقتصر القلق على التداعيات الاقتصادية المباشرة، بل يمتد ليشمل احتمالية اتساع نطاق الصراع ليشمل أطرافًا إقليمية أخرى. يتساءل الدكتور عبد الرحيم، عما إذا كان هذا الصراع سيتسع ليشمل لاعبين مثل “حزب الله” في لبنان، أو جماعات مسلحة بالعراق واليمن.
ومع ذلك، يعرب الباحث الاقتصادي، عن شكه في حدوث اتساع واسع النطاق. قائلًا: “أشك في هذا الأمر، لأنه لو هذا الصراع اتسع. سيكون له تأثيرات أكبر وأكبر على اقتصادات الشرق الأوسط. لكن مجرد احتمال تورط هذه الأطراف يثير قلقًا عميقًا بشأن استقرار المنطقة ككل؛ حيث يمكن أن يؤدي إلى تعقيد الوضع بشكل لا يمكن التنبؤ بتبعاته”.
نداء للتعقل
في ختام تحليله، يطلق الدكتور محمد محمود عبد الرحيم، نداءً قويًا ومُلحًا للمجتمع الدولي: “العالم الآن في حاجة إلى بعض من التعقل. وفي حاجة إلى صوت الحكمة، وفي حاجة إلى إرساء السلام”.
ويحذر بشكل قاطع من أن “هذه الصراعات غير المبررة والتصعيد غير المبرر من الممكن أن يقود العالم إلى حرب عالمية ثالثة بشكل كبير جدًا”.
وفي إشارة صريحة للمشهد السياسي العالمي، يضيف عبد الرحيم: “العالم على شفا حرب عالمية ثالثة برعاية ترامب”، مؤكدًا الضرورة القصوى لتغليب صوت الحكمة على لغة التصعيد. وإرساء السلام بدلًا من السماح باتساع الصراعات والصدمات السياسية والعسكرية غير المبررة. والتي يمكن أن تجر العالم نحو كارثة غير مسبوقة.