الخميس, أكتوبر 16, 2025
الرئيسية » ضريبة الدخل في عُمان.. تحول تاريخي يكسر “التابو” الخليجي

ضريبة الدخل في عُمان.. تحول تاريخي يكسر “التابو” الخليجي

ضريبة الدخل في عُمان.. تحول تاريخي يكسر "التابو" الخليجي
ضريبة الدخل في عُمان.. تحول تاريخي يكسر "التابو" الخليجي

 

 

لطالما عُرفت دول مجلس التعاون الخليجي ببيئتها الخالية من الضرائب المباشرة على الأفراد، مما جذب الاستثمارات والعمالة. إلا أن هذه الصورة بدأت تتغير بشكل جذري. في خطوة غير مسبوقة، أصدر سلطان عُمان هيثم بن طارق المرسوم السلطاني رقم 56/2025 بتاريخ 22 يونيو 2025، بفرض ضريبة دخل شخصية بنسبة 5% على الدخول السنوية التي تتجاوز 42,000 ريال عماني (حوالي 109,000 دولار أمريكي)، ويبدأ تطبيقها في 1 يناير 2028. هذا القرار يجعل عُمان أول دولة خليجية تفرض ضريبة مباشرة على دخل الأفراد، وهو ما يثير تساؤلات حول مستقبل السياسات الضريبية في المنطقة.

ضريبة الدخل في عُمان.. تحول تاريخي يكسر "التابو" الخليجي

ضريبة الدخل في عُمان: دلالات الخطوة وأهدافها

فرض عُمان لضريبة الدخل الشخصي يمثل كسرًا “لتابو” إقليمي راسخ. كون عُمان، التي لا تُعد الأكثر اعتمادًا على النفط بين دول مجلس التعاون الخليجي، هي من تتصدر هذا التغيير، يشير إلى نهج استباقي في الإدارة المالية، مدفوعًا بنقاط ضعفها الاقتصادية وأهدافها التنموية مثل رؤية عُمان 2040. تستهدف الضريبة الجديدة الشريحة الأكثر ثراءً (أعلى 1% من أصحاب الدخول)، مما يضمن عدم تأثر 99% من السكان. ستُطبق الضريبة على المقيمين لأغراض الضريبة في عُمان، بما في ذلك المواطنون والمغتربون الذين يقيمون لأكثر من 183 يومًا سنويًا، وستخضع دخولهم العالمية للضريبة. كما يتضمن القانون خصومات وإعفاءات متنوعة لتخفيف العبء، مثل فوائد قروض الإسكان، ونفقات التعليم والتأمين الصحي، والمساهمات الخيرية.

في حين أن تأجيل تطبيق الضريبة حتى 1 يناير 2028 يمنح الأفراد والشركات مهلة كافية للاستعداد. بينما يكمن المنطق الاستراتيجي وراء هذه الخطوة في عدة أهداف:

  • تنويع مصادر الإيرادات الحكومية لتقليل الاعتماد الكبير على إيرادات النفط والغاز المتقلبة، التي قد تشكل 85% من الإيرادات العامة.
  • تعزيز الاستقرار المالي لتوفير حاجز ضد التقلبات غير المتوقعة في سوق الطاقة العالمية.
  • دعم رؤية عُمان 2040 كحجر زاوية في استراتيجية طويلة الأجل لتحويل البلاد إلى اقتصاد قائم على التكنولوجيا وتعزيز مرونتها المالية.
  • تحقيق العدالة الاجتماعية حيث سيتم تخصيص الإيرادات المتولدة من الضريبة لتعزيز نظام الحماية الاجتماعية في عُمان، مما يعزز إعادة توزيع الثروة.

 

الجمع بين الحد الأدنى المرتفع للدخل الخاضع للضريبة، والعديد من الخصومات والإعفاءات، وتأجيل تاريخ التطبيق، يكشف عن استراتيجية مدروسة تهدف إلى إدارة الآثار الاجتماعية والاقتصادية، وتقليل الآثار السلبية المحتملة مثل هروب رؤوس الأموال أو تأثير رادع على جذب المواهب.

 

تطور السياسات الضريبية في دول الخليج

أدت التراجعات الحادة في أسعار النفط العالمية بين عامي 2014 و2016 إلى كشف نقاط الضعف المالية في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي المعتمدة على النفط. دفع هذا إلى موجة من تخفيضات الإنفاق وإصلاحات ضريبية شاملة.

 

الضرائب غير المباشرة

كانت الموجة الأولى من التنويع تتمثل في الضرائب غير المباشرة. تم توقيع إطار عمل موحد لضريبة السلع الانتقائية في عام 2016، مما أدى إلى تطبيقها بدءًا من عام 2017 على منتجات مثل التبغ والمشروبات السكرية. تبع ذلك تطبيق ضريبة القيمة المضافة (VAT) في عدة دول أعضاء بعد توقيع معاهدة موحدة في عام 2016. كانت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة رائدتين في تطبيق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% في يناير 2018، ورفعتها السعودية لاحقًا إلى 15% في يوليو 2020. طبقت البحرين ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% في يناير 2019 ورفعتها إلى 10% في يناير 2022. عمان كانت الأحدث في تطبيق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% في أبريل 2021. لم تطبق الكويت وقطر ضريبة القيمة المضافة بعد، لكن المناقشات جارية.

 

ضريبة أرباح الشركات

تمتلك ضريبة أرباح الشركات تاريخًا أطول في دول مجلس التعاون الخليجي، وإن كان متنوعًا ومحدودًا. كانت عمان قد أسست نظامًا واسعًا لضريبة أرباح الشركات قبل عام 2015، ويبلغ المعدل الحالي 15% لمعظم الشركات و55% لشركات الهيدروكربونات. شهدت السنوات الأخيرة توسعًا في هذه الضرائب؛ حيث أدخلت الإمارات العربية المتحدة ضريبة أرباح الشركات الاتحادية بنسبة 9% على الأرباح التي تتجاوز 375,000 درهم إماراتي، وأيضًا ضريبة الحد الأدنى المحلية التكميلية في 2025. تفرض المملكة العربية السعودية حاليًا ضريبة دخل على الشركات الأجنبية بنسبة 20%. أدخلت الكويت وقطر ضريبة أرباح الشركات على الشركات الأجنبية في عام 1955، مع تخفيض المعدلات لاحقًا. البحرين هي الدولة الوحيدة في دول مجلس التعاون الخليجي التي لا تفرض ضريبة أرباح شركات واسعة النطاق، وتطبقها فقط على شركات النفط والغاز بنسبة 46%.

 

جميع دول مجلس التعاون الخليجي أعضاء في إطار منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية/مجموعة العشرين بشأن تآكل الوعاء الضريبي وتحويل الأرباح (BEPS)، باستثناء السعودية، اتخذت خطوات لتطبيق قواعد GloBE، التي تضمن دفع الشركات متعددة الجنسيات الكبيرة معدل ضريبة أرباح فعال لا يقل عن 15% اعتبارًا من 1 يناير 2025.

 

تتلاشى الصورة التقليدية لدول مجلس التعاون الخليجي كـ”ملاذ ضريبي” بشكل متزايد. فقد تبنت المنطقة بسرعة الضرائب غير المباشرة ووسعت نطاق ضريبة الشركات بشكل كبير منذ عام 2017. هذا يوضح تحولًا جوهريًا نحو بناء قواعد إيرادات أكثر تنوعًا ومرونة.

 

توصيات صندوق النقد الدولي ودورها

كان انهيار أسعار النفط في 2014-2016 نقطة تحول، مما دفع صندوق النقد الدولي (IMF) لحث دول مجلس التعاون الخليجي على إجراء إصلاحات مالية، بما في ذلك تخفيضات الإنفاق وتوسيع قواعد الإيرادات لتقليل الاعتماد على النفط. ركزت توصيات الصندوق على إدخال الضرائب غير المباشرة وتوسيع ضريبة أرباح الشركات.

 

فيما يتعلق بضريبة الدخل الشخصي، لم تتضمن توصيات الصندوق المباشرة والصريحة لإدخالها. بل تركت مجالًا ضمنيًا لمثل هذه الإجراءات إذا رأت الدول الفردية أنها ضرورية. بينما تؤكد تقارير الصندوق على الحاجة الملحة لتطوير قطاعات غير نفطية مكتفية ذاتيًا.

 

بينما يمكن تفسير خطوة عمان على أنها تطبيق جريء واستباقي للتوجيهات الأوسع لصندوق النقد الدولي، بدلاً من تحقيق مباشر لتفويض محدد. هذا يؤكد استقلالية دول مجلس التعاون الخليجي ومرونتها الاستراتيجية في تشكيل أجندات الإصلاح المالي الخاصة بها.

 

هل عُمان استثناء أم بداية لتحول أوسع؟

يرى المحللون أن قرار عُمان بفرض ضريبة الدخل الشخصي هو خطوة رائدة تكسر “تابو” قديمًا. وأن عمان “لن تكون الأخيرة”. إذا أثبتت تجربة عُمان نجاحها، فمن المرجح أن تدفع الدول الخمس الأخرى في مجلس التعاون الخليجي إلى التفكير في تطبيق ضرائب الدخل الخاصة بها.

 

من المتوقع أن يعكس أي تطبيق مستقبلي لضريبة الدخل الشخصي في دول الخليج نهج عمان الحذر: بمعدلات منخفضة. وتطبيق تدريجي، علاوة على تركيز مبدئي على أصحاب الدخول المرتفعة. قد تجد دول مثل الكويت والبحرين، التي تعتمد بشكل أكبر على إيرادات النفط، نفسها أكثر إلحاحًا لتطبيق تدابير مماثلة.

 

تعد الإمارات العربية المتحدة استثناءً محتملًا لهذا الاتجاه، بينما يعتمد نموذجها الاقتصادي على جذب الأفراد ذوي الثروات العالية والمغتربين من خلال الحفاظ على سمعة الضرائب المنخفضة. قد يؤدي فرض ضريبة دخل شخصية واسعة النطاق إلى تقويض هذه الميزة التنافسية.

 

عوامل دفع الإصلاحات المستقبلية:

  • استمرار تقلب أسعار النفط يدفع الحكومات لاستكشاف استراتيجيات بديلة لتوليد الإيرادات.
  • ضرورة التنويع الثابتة لتقليل الاعتماد على الهيدروكربونات وبناء اقتصادات مرنة.
  • الضغوط الديموغرافية والاجتماعية تتطلب مصادر إيرادات مستدامة لضمان الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي على المدى الطويل.

بينما يوجد اتجاه إقليمي عام نحو الإصلاح المالي، فإن أنواع الضرائب المحددة التي يتم تبنيها. ومعدلاتها، وتوقيتها تختلف بشكل كبير بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي. كل دولة ستستمر في تكييف سياستها الضريبية مع هيكلها الاقتصادي الفريد وأولوياتها الاستراتيجية.

ضريبة الدخل في عُمان.. تحول تاريخي يكسر "التابو" الخليجي

نحو مستقبل مالي أكثر تنوعاً

إن إقدام عمان على فرض ضريبة الدخل الشخصي هو حدث تاريخي يكسر تقليدًا ماليًا راسخًا. كما تؤكد هذه الخطوة التزام السلطنة الثابت برؤيتها 2040 وسعيها لتحقيق الاستقرار المالي. يمثل هذا القرار أحدث خطوة في تحول مالي أوسع يجتاح دول مجلس التعاون الخليجي. مدفوعة بالضرورة الاقتصادية وتوصيات صندوق النقد الدولي.

 

تجربة عمان ستكون بمثابة دراسة حالة حاسمة، وتؤثر على مناقشات السياسات المستقبلية في المنطقة. ستستمر الضرورة المستمرة للتنويع الاقتصادي، وتقلبات أسواق الطاقة، والاحتياجات الاجتماعية والديموغرافية في دفع دول الخليج نحو إصلاحات مالية مبتكرة. سيشكل هذا التطور المستمر حتمًا مستقبلًا ماليًا أكثر مرونة وتنوعًا واستدامة لمنطقة مجلس التعاون الخليجي بأكملها. مما يشير إلى نهاية حاسمة لعصر الخليج “المعفى من الضرائب” بالكامل.

NightlyNews24 موقع إخباري عربي يقدم أخبار السياسة، الاقتصاد، والرياضة بتغطية يومية دقيقة وتحليلات موجزة لمتابعة الأحداث الراهنة بأسلوب مهني وموضوعي.

النشرة البريدية

اشترك الآن في نشرتنا البريدية وكن أول من يتابع آخر الأخبار والتحديثات الحصرية مباشرة إلى بريدك الإلكتروني!

آخر الأخبار

@2021 – جميع الحقوق محفوظة NightlyNews24