في خطوة مفاجئة وصفت بأنها قد “تهز أركان صناعة الترفيه العالمية”، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على جميع الأفلام المنتجة خارج الولايات المتحدة. القرار، الذي برره ترامب بأنه يهدف إلى “إنقاذ صناعة السينما الأمريكية المحتضرة”، قوبل بموجة غضب عارمة في هوليوود وأدى إلى تراجع فوري في أسهم كبرى شركات الإنتاج والتوزيع.
رسوم ترامب صناعة السينما
ترامب يعلن الحرب على الإنتاج السينمائي الأجنبي
جاء إعلان ترامب عبر منشور على منصته “تروث سوشيال”، حيث أكد أن هذه الرسوم تهدف لحماية “صناعة السينما في أمريكا التي تموت بسرعة”. وأشار إلى أن الدول الأخرى تقدم حوافز متنوعة لجذب صانعي الأفلام والاستوديوهات بعيدًا عن الولايات المتحدة، معتبراً ذلك “جهداً متضافراً” يشكل “تهديداً للأمن القومي” و”وسيلة دعائية”. وأضاف: “نريد أفلاماً تُصنع في أمريكا، مرة أخرى”.
ويأتي هذا بعد أن كشفت تقارير صحفية أمريكية أن الممثل جون فويت ومدير أعماله ستيفن بول، مالكي شركة “إس بي جلوبال ميديا”، هما من اقترحا فكرة الرسوم على ترامب في 4 مايو الجاري، متضمنة حوافز ضريبية اتحادية، وتعديلات كبيرة في قوانين الضرائب، وإنشاء معاهدات للإنتاج المشترك مع دول أجنبية، إضافة إلى دعم البنية التحتية.
وفي اليوم التالي، أعلن ترامب أنه سمح لوزارة التجارة والممثل التجاري للولايات المتحدة “بالبدء فوراً في عملية فرض تعريفة جمركية بنسبة 100% على أي فيلم يُنتَج في الخارج ويُعرض في الولايات المتحدة”.
رسوم ترامب صناعة السينما
صدمة في هوليوود وتهاوي أسهم الشركات الكبرى
أثار القرار حالة من الغضب الشديد في أوساط هوليوود، وانعكس سلباً على أسواق المال. فقد شهدت أسهم شركات البث والإنتاج الكبرى تراجعات ملحوظة، حيث انخفض سهم “نتفليكس” بنسبة 5%، وتراجعت أسهم “وارنر براذرز ديسكفري” و”والت ديزني” بنسبة 3% لكل منهما.
كما هبطت أسهم “باراماونت جلوبال” و”أمازون” بنسبة 2% لكل منهما، وشكل ذلك ضغطاً على قطاع الإعلام بأكمله، بحسب شبكة “سي إن بي سي”.
دي نيرو من مهرجان كان: نجوم هوليوود غاضبون لكن خائفون
وعبّر النجم العالمي روبرت دي نيرو عن هذا الغضب خلال حضوره مهرجان كان السينمائي. بينما صرح لوكالة فرانس برس عقب تسلمه السعفة الفخرية: “كثيرون في هوليوود غير راضين عن ترامب، لكنهم يخشون غضبه”. كما أكد دي نيرو، المعروف بانتقاداته الحادة لترامب الذي وصفه بـ”الجاهل” في خطاب افتتاح المهرجان، أن العديد من نجوم هوليوود يشاركونه آراءه لكنهم يترددون في التعبير عنها.
ستوديو ديزني – هوليوود
مخاوف من ارتفاع تكاليف الإنتاج وتهديد سلاسل الإمداد العالمية
حذرت تقارير أمريكية وخبراء من أن إجبار الاستوديوهات على العودة للإنتاج داخل الولايات المتحدة. أو دفع رسوم بنسبة 100% قد يزيد تكاليف الإنتاج بشكل حاد. واعتبرت شركات السينما في هوليوود، بحسب موقع “بوليتيكو”. أن هذه الرسوم تمثل “تهديداً وجودياً” للصناعة، نظراً لاعتمادها على سلسلة إمداد عالمية تشمل مواقع تصوير في أوروبا. ومراكز ما بعد الإنتاج في كندا، وفرق مؤثرات بصرية في جنوب شرق آسيا. ويرى محللون أن شركة “نتفليكس”، الرائدة في خدمات البث. قد تكون الأكثر تضررًا نظرًا لاعتمادها الكبير على شبكة إنتاج عالمية.
وقالت مصادر في صناعة السينما لهوليوود لشبكة “سي إن إن” إن “فكرة استخدام الرسوم الجمركية. قد تمثل توقفاً شبه تام للإنتاج”، مشككة في امتلاك ترامب سلطة قانونية واضحة لتنفيذ ذلك. وحذر الخبير الاقتصادي جاستن وولفرز عبر موقع “بلو سكاي”. من أن هذه الخطوة “تصعيد خطير للغاية” وقد تعرض الولايات المتحدة “لردود انتقامية خطيرة من دول أخرى، خصوصًا في قطاع الخدمات”.
القرار يهدد آلاف الوظائف ويُعمّق أزمة هروب الإنتاج من أمريكا
تأتي هذه الخطوة في وقت تعاني فيه صناعة السينما الأمريكية من فقدان الوظائف لصالح الإنتاج الخارجي. بينما أوضحت صحيفة “نيويورك تايمز” أن دولاً مثل بريطانيا، والمجر، وأستراليا. ونيوزيلندا، وكندا، تقدم حوافز ضريبية وتتميز بانخفاض تكاليف العمالة.
ووفقاً لـ”التحالف الدولي لموظفي المسارح”، تم إلغاء ما يقرب من 18 ألف وظيفة. بدوام كامل خلال السنوات الثلاث الماضية، معظمها في كاليفورنيا. في المقابل، لم يتم تصوير أي من الأفلام العشرة المرشحة لجوائز الأوسكار هذا العام في ولاية كاليفورنيا.
في حين أظهرت بيانات منظمة “Film LA” أن إنتاج الأفلام والتلفزيون في مدينة لوس أنجلوس انخفض بنسبة تقارب 40% خلال العقد الماضي. بينما بلغت قيمة إنتاج الأفلام والتلفزيون عالي الجودة في المملكة المتحدة 5.6 مليار جنيه إسترليني. (7.45 مليار دولار) في عام 2024، بزيادة 31% عن 2023، وفقاً لـ”معهد الفيلم البريطاني”.
وقالت فيليبا تشايلدز، رئيسة شركة “بيكتو” لـ”هوليوود ريبورتر” و”رويترز”، إن هذه التعريفات “يمكن أن تشكّل ضربة قاضية. لصناعة بدأت بالكاد في التعافي”، وتهدد عشرات الآلاف من وظائف العاملين المستقلين في المملكة المتحدة.
غموض يلف تفاصيل القرار وتساؤلات حول قانونية تطبيقه
بينما لم يحدد ترامب، وفقاً لـ”رويترز”، التفاصيل الدقيقة للقرار، مثل ما إذا كانت الرسوم ستشمل الأفلام المخصصة للبث الرقمي وتلك المعروضة في دور السينما. أو ما إذا كانت ستُفرض على أساس تكاليف الإنتاج أم إيرادات شباك التذاكر. وكتبت أليشيا ريس، المحللة المالية في شركة “ويدبوش”، في مذكرة بحثية: “عادةً ما تنطبق التعريفات الجمركية على استيراد السلع. لذا فإن فرض تعريفة على واردات أقراص الفيديو الرقمية ممكن، أما فرض تعريفة على الملكية الفكرية فهو أمر شبه مستحيل”.
البيت الأبيض يتراجع نسبياً: “لا قرارات نهائية بعد”
أمام حالة الرعب التي أصابت هوليوود، نقل موقع “هوليوود ريبورتر” عن البيت الأبيض توضيحاً بأنه “لم تتخذ أي قرارات نهائية بشأن الرسوم الجمركية على الأفلام”، لكنه لا يزال “يستكشف جميع الخيارات”. وقال متحدث باسم البيت الأبيض إن الإدارة تدرس جميع الخيارات “لتنفيذ توجيه الرئيس ترامب. لحماية الأمن الوطني والاقتصادي للولايات المتحدة، مع السعي إلى جعل هوليوود عظيمة مرة أخرى”.